(قال بيدبا: زعموا انه كان بأرض سكاوندجين, عند مدينة داهر مكان كثير الصيد ينتابه الصيادون, وكان في ذلك المكان شجرة كثيرة الاغصان, فيها وكر غراب, فبينما هو ذات يوم ساقط في وكره اذ بصياد قبيح المنظر, سيئ الخلق. وقبح منظره يدل على سوء مخبره, على عاتقه شبكة, وفي يده عصا مقبلا نحو الشجرة, فذعر منه الغراب وقال: لأثبت في مكاني وارى ما يصنع؟ ثم ان الصياد نصب شبكته ونثر عليها الحب وكمن قريبا منها. فلم يلبث الا قليلا حتى مرت به جماعة يقال لها المطوقة, وكانت سيدة الحمام, ومعها حمام كثير, فعميت هي وصاحباتها عن الشرك, فوقعن على الحب يلتقطنه, فعلقن في الشبكة كلهن, واقبل الصياد فرحا مسرورا, فجعلت كل حمامة تتلجلج في حبائلها, وتلتمس الخلاص لنفسها, قالت المطوقة لاتخاذ لن في المعالجة, ولا تكن نفس احداكن اهم اليها من نفس صاحبتها, ولكن نتعاون جميعنا, ونطير كطائر واحد فينجو بعضا ببعض, فجمعن انفسهن ووثبن وثبة واحدة فقلعن الشبكة جميعهن بتعاونهن وعلون في الجو). لم يكتف ابن المقفع بهذا بل راح في كليلة ودمنة يسرد كيف تخلصن من الشبكة. الشباك التي تنصب لصيد الحمام هذه الايام اشد مكرا وخفاء من الشباك في ايام ابن المقفع او الفيلسوف بيدبا. الشباك هذه الايام متنوعة: بعضها واضح وضوح الرشوة, وبعضها مضمر مثل سيف مغمد. يساعد على هذا ان ذهنية الحمام لم تتغير, فهي ذهنية واحدة ايام بيدبا وايامنا, وهذا ما جعل المعادلة هذه الايام تكون دائما لصالح الصياد. هل يمكن ان تتغير ذهنية الحمام؟ قد يكون ذلك في نظرك مستحيلا, ولكن كثيرا من المستحيلات دخل في عالم الممكنات في هذا الزمن. فقد يشطح خيال فرد من الناس فيظن ان حمامنا سوف يغير ذهنيته. وابشرك ان (حمامنا) لن يغير ذهنيته, بل لن يغير حتى طريقته في الطيران وفي التقاط الحب وفي الوقوع في الشباك. وإلى غد مشرق سعيد.