ظنَّ الجندبُ الصغيرُ أنه يستطيع أن يسبحَ كالضفدعة، فقفز إلى النهر ... ولحُسْن حظّه، فقد وقع على ورقة يابسة عائمة فوق المياه. همّ الجندب أن يقفز من جديد، فصاحت به الضفدعة: - لا. لا. إياك أن تقفز ... فلو قفزتَ فسوف تغرق. وسبحَتِ الضفدعة وراء الجندب كي تخلّصه، لكنّ مياه النهر كانت أسرع منها، فلم تستطع اللحاق به. قال الجندب للنهر: - أرجوك ... توقّف قليلاً عن الجريان، حتى تصل الضفدعة. قال النهر مدهوشاً: - ألا تعلم أن الأنهار لا تقف أبداً؟ وتابع جريانه المسرع ... كان يقفُ على غصن الشجرة، بجانب النهر، غرابٌ أسود كالفحمة، وعندما شاهد الجندب في النهر صاح من الفرح: - ما هذا؟ جندب؟ لا أصدّق عينيّ ... سألتهمه فوراً .. انقضّ الغراب على الجندب، وأمسكه بمنقاره وطار عالياً. قال الجندب وهو يرتجف من الخوف: - ماذا تريد أن تفعل بي؟ قال الغراب: - طبعاً سآكلك. قال الجندب: - ألا أستطيع أن أرى أمي قليلاً قبل أن أموت؟ - لا توجد في قلبي شفقة على الحشرات. ومع ذلك سأسمح لك برؤية أمك. طار الغراب الى الحقل، وحطّ أمام الجندبة التي كانت تقفز باحثة عن ابنها هنا وهناك. فرحَتِ الجندبةُ فرحاً شديداً عندما رأت ابنها أمامها، فأخذته، ومضت به الى البيت. فهتف بها الغراب: - قفي .. الى أين تأخذينه؟ إنه لي! - هذا ابني .. وهو لي أنا. - ابنك هذا لم يعد لكِ بعدما اصطدته! وعلا صياحهما ... استيقظ الثعلب النائم وسط كومة من الأعشاب، وهتف بهما: - ما هذه الضوضاء؟ إذهبا وتقاتلا في مكان آخر. نظرتِ الجندبة الى الثعلب، وقالت شاكية: - لو تعطينا خمس دقائق من وقتك يا حضرة الثعلب؟ فهذا الغراب يدّعي أن ابني له! قال الثعلب وهو يتثاءب: - وكيف ذلك؟ قال الغراب: - نعم .. هذا الجندب لي .. لأنني وجدته في النهر وأمسكته. وثبَ الثعلب على الغراب في تلك اللحظة، وأمسكه وقال له: - أنت أيضاً لي لأنني وجدتك هنا وأمسكتُ بك. ثم ضغط الثعلب بمخالبه على الغراب وقال له: - أما زلت تريد الجندب؟ قال الغراب: - لا. لا. لا أريد شيئاً .. أريد فقط أن أعود الى الشجرة. أطلقَ الثعلب الغراب، فطار مسرعاً الى الشجرة. وعادَ هو الى النوم، أما الجندب، فقد راح يقفز وراء أمّه في الحقل ويغنّي: - سي .. سي .. سي .. طيّارتان طيّارتانْ من ورقٍ مختلفِ الألوانْ تُرْخي وتُرْخي لهما الخيطانْ بنتانِ تلعبانْ فتصعدُ الطيّارتانِ في الفضاءِ تصعدانِ تصعدانْ فتظهرانِ مثلَ ثُعبانينِ يسبحانْ في زرقةِ السماءِ يسبحانْ