الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد. فإن أعظم نعمة منّ الله تعالى بها علينا: نعمة الإيمان، وإنزال القرآن، وبعثة محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وأن جعلنا من أمّة الإسلام، قال الله تعالى . وما زالت نعم الله تعالى علينا تترا، حيث تفضل علينا بدولة يُحكّم فيها شرع الله تعالى، ونظام حكمها الأساسي: "أنّ لا شرع لأحد إلاّ شرع الله تعالى"، ووفق ولاة أمرنا –أيدهم الله بتسديده وتوفيقه- للتمسك بهذا الأمر، والمناداة به، والإصرار على ذلك حتى في أشدّ الأزمات التي عصفت بكثير من ديار المسلمين –كان الله لنا ولهم معيناً-، وبايع أهل هذه البلاد الطيبة المباركة ولاة الأمر على تحكيم الكتاب والسنة، وعدم الحيدة عن هذا النهج العظيم القويم، فجمعهم الله تعالى على خير وبركة وتآلف، ونبذ للتنابز وأسباب التشرذم والانقسام، ولا سبيل لجمع هذا الشعب الذي عُرف بنفرته من الرضوخ لغيره إلاّ بالإسلام وتحكيمه بينهم، قال تعالى . وأصبحت أرض المليوني كيل مربع، الأرض التي كان الراكب لا يستطيع السير فيها إلاّ بأتاوات يدفعها لقطّاع الطرق، الأرض التي كانت حصون كل قرية ترصد الأخرى، حتى حكم بعض قراها أربعة أمراء في وقت واحد، لكل أمير حصن وقلعة يحارب من ورائها الأمراء الآخرين، الأرض التي كان الذاهب إليها ليحجّ يودعه أهله على أنه إن غاب فمفقود، وإن رجع فمولود … فأذهب الله تعالى كلّ ذلك الخوف، والاضطراب، وأبدله أمناً نعيشه، حتى إذا طال علينا الأمد، خرجت أجيال عاشت الأمن ولم تعرف معنى الخوف، وانقطعت صلة كثير منهم بآبائهم وأجدادهم، وأصبحت مصادر التلقي لديهم: "وسائل الإعلام" فظنوا أن الدنيا كلها أمن وأمان، وسكينة واطمئنان، وغفل كثيرون عن حقيقةٍ غاية في الأهمية، وهي: أنّ "الصحة: تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلاّ المرضى"، و"الأمن: سكينة واطمئنان ورغد في الأوطان لا يعرف قيمته إلا من حرمه". أقدم بهذه المقدمة، وأنا في هذه الأيام بعيد عن الحدث شيئاً لعارض، أسأل الله تعالى أن يوفق فيه ويسدد، إلاَّ أنَّ اتصالات كثيرة ورسائل وردت إليّ عن اتهامات وجهت إلى المخيمات والملتقيات الدعوية التي تقام على أرض مملكتنا الشامخة بإسلامها، وكان كثير من هذه الاتصالات تظهر انزعاجاً لما طرحته بعض وسائل الإعلام، وكأنه لم يحدث من قبل. فأقول ومن الله أستمد التسديد العون: لقد تعودنا منذ عشر سنوات أن تتنادى كثير من وسائل الإعلام ويتواصى كثير من الكتبة على حشد أكبر عدد ممكن من المقالات التي يوجهون فيها سهام اتهاماتهم إلى جميع المناشط الخيرة التي تقام على أرض مملكة الخير، وزاد من سعارهم جثوم أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكشروا عن أنيابهم، حتى أنهم كتبوا في سنة من السنوات القريبة خلال أسبوعين أكثر من مائة وثلاثين مقالاً صحفياً خرجت في بضعة أيّام، ما تركوا تهمة ولا كذبة إلا جاءوا بها يحاولون إلصاقها بالملتقيات الدعوية أم هي الصدفة الخلاّقة؟! ولكن: "الصراخ على قدر الألم". وقد عالج المسؤولون هذا الهجوم الذي يطن طنين البعوض بحكمة وروية وغض للطرف عن جهل الجاهلين، وهي "شنشنة أعرفها من أخزم"، وهذا عين العقل في وقت تلك المحنة التي وقى الله بلادنا شرها، فله الحمد والمنّة. ويومٍٍ كأن المصطلين بحره *** وإن لم يكن جمراً قيامٌ على الجمر صبرت له حتى يمرّ وإنما *** تفرج أيام الشدائد بالصبر وقال آخر: صبرنا على دهم الشدائد برهة ** وتقتل بالصبر الجميل الشدائد وفي غمرة فرحة الشعب السعودي الكريم بتجاوز إحدى المحنِّ التي وقانا الله تعالى شرها؛ وهي تنادي بعض الطوائف والجهات المشبوهة؛ لتحريض من يمكن أن يغرر بهم من أبنائنا للخروج في تظاهرات ومسيرات واعتصامات، يراد منها إحداث الفوضى، والاستعانة بجهات دولية وإقليمية لتقوية موقفهم ضدّ ديننا وعقيدتنا وبلادنا؛ لضربنا في أمننا وإيماننا وأوطاننا، ولكن الله سلم، فوقف ولاة الأمر منها موقفاً حكيماً حازماً، ووقف كبار علمائنا موقفاً شجاعاً صادقاً منطلقاً مما أخذه الله تعالى عليهم من بيان الحق وعدم كتمانه، ووقف غيرهم من العلماء والدعاة والفضلاء مواقف تسطرها لهم الأجيال، وأخصّ هنا الأئمة والخطباء بشكر وتقدير لموقفهم الذي كان الصخرة التي تكسرت عندها آخر موجات تلك الفتنة، حيث جلجلت منابر خمسين ألف جامع في خطبتين أو أكثر، مبينين الحكم الشرعي في هذا العمل التخريبي، محذرين الشباب أشدّ التحذير، مبينين لهم مغبة الفوضى، شارحين لهم أنّ الفتنة إذا اشعلها سفيه، عجز العقلاء عن إطفاء نارها، فخرج من كان في قلبه شيء وهو يقول: "كانت سكرة طيش، وقانا الله شرّها". وأسجل شكري للشعب الكريم الذي قال بملء فيه لكل مغرض: "ليس هذا بعشِّكِ فادرجي". ولأولئك الصالحين السجد الرّكع الذين عكفوا ليلة الجمعة مصلين راغبين إلى الله تعالى أن يقي البلاد والعباد شرّ تلك الفتنة. وأسجل تساؤلي للكتبة الذين كانوا يتحفونا بهجومهم مع إقبال كل صيف على مناشط الخير في بلد الخير، وكانت أقلامهم تنشط للهجوم حتى تجدهم يكتبون عشرات المقالات في بضعة أيّام: ما بال أقلامكم التي كتبت نحو ألف مقال في ثلاث صحف في اثني عشر يوماً، عجزت أن تخرج لنا أكثر من عشرة مقالات عن فتنة حنين المغرضة؟! ثم نعود إلى حديثنا عن الملتقيات، أو المخيمات الدعوية الشبابية، فأقول: من يعرفها فهو لا يحتاج إلى بيان وتفصيل؛ لأن التفصيل لا يحسن في وقت الإجمال، ولكن أذكر ها هنا حقيقتها لمن لا يعرف ما هي المخيمات، أو الملتقيات الشبابية الدعوية، وهل هي معسكرات تدريبية؟ المخيم الدعوي: "تجمع شبابي يقدم مظلة لمجموعة من المناشط الثقافية والاجتماعية والتطويرية والترفيهية والرياضية المأذون بها نظاماً للشباب بخاصة، ولجميع فئات المجتمع بعامة، يقام في زمن ومكان محددين تحت إذن وإدارة وإشراف ومتابعة وزارة الشؤون الإسلامية". وقد أوكلت الدولة أمر «المخيمات الدعوية» إلى وزارة الشؤون الإسلامية، وأن لا يقام مخيم إلا تحت إشرافها، وأن يكون المشرف على كل مخيم أحد أعضائها الذي عرف بالقدرة على إدارة الأعمال الدعوية الكبيرة، وجميع برامج المخيمات تخطط لها الوزارة، وتضع ضوابطها، وتشرف عليها إشرافاً مباشراً، وينفذها منسوبوها ويعينهم على التنفيذ دعاة معروفون، وجميع مناشطها؛ من محاضرات وأمسيات وندوات لا يقيمها إلا من عرف بعلمه وفضله وقدرته على الإفادة وحسن التوجيه، وكل ذلك مسجل موثق بالصوت والصورة، وجميع النفقات فيها موثقة حسب الأصول المحاسبية المعتبرة نظاماً. كل هذه الضوابط يظهر من خلالها أن هذه «المخيمات الدعوية» لم تأت من فراغ، وأنها لا تدار بطريقة ارتجالية، وأنه لا يحق لأحد كائناً من كان أن يقيم فيها برنامجاً، بل ولا فعالية إلا وهو في دائرة الضوء. إذن المخيمات الدعوية ليست معسكراً، وليس خيمة ينصبها من شاء في أي مكان شاء، وليس كلأ مباحاً يقيم فيه من شاء ما شاء من برامج وفعاليات، وليس مكاناً مغلقاً يمكن أن تقام فيه فعالية لا يراها الناس والجهات المعنية بأمن وسلامة الناس، بل جميع برامجه والعاملين فيه، والقائمين عليه يتم انتقاؤهم والموافقة عليهم من قبل الجهة الرسمية المختصة، يستغرق الإعداد والتنسيق ورفع جميع برامجه وفعالياته محددة الزمان والمكان والصفة قبل المخيم ببضعة أشهر، ثم إذا ورد إذن الجهة المختصة باشروا العمل على ضوء ما جاءهم من إذن، وبإدارة وإشراف تامين من قبل وزارة الشؤون الإسلامية. وقد ظهر لولاة الأمر –أيدهم الله بتوفيقه وتسديده- فوائد هذه المخيمات والملتقيات الشبابية، ورأوا آثارها الحميدة على أفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، وخاصة ما يتعلق بنشر الفكر الإسلامي المنطلق من الشرع الإسلامي الحنيف السمح، فلا إفراط ولا تفريط، مع تفريغ طاقات الشباب فيما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، وإبعادهم عن الدعوات الوافدة المنحرفة، فجاء التوجيه إثر التوجيه لمقام وزارة الشؤون الإسلامية أن تحرص وتكثف من إقامة هذه المخيمات والملتقيات الشبابية. فمن ذلك: الأمر السامي الكريم الصادر في 29/3/1423ه. الذي ينص على أنّ على الوزارة إشراك الشباب في أعمالها الدعوية، وتكثيف البرامج التي من شأنها ربط الشباب بالعلماء، وإقامة المناشط التي تملأ أوقات فراغهم، وتكثيف إقامة «المخيمات الشبابية». ثم تلاه أمر سام آخر في 19/4/1424ه. يؤكد ما سبق ذكره، مع ضرورة متابعة الموضوع والاهتمام به. وتعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية –حفظه الله- في 30/4/1424ه. بشأن الإذن بإقامة «المخيمات الدعوية»، ووضع الضوابط التي توسع نطاق الإفادة منها، وربطها بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وجعلها الجهة المشرفة على جميع «المخيمات» في المملكة. وبرقية صاحب السمو الملكي نائب وزير الداخلية –حفظه الله- في 5-6/7/1423ه. من السعي لإقامة المخيمات التي تعنى بالشباب في كلّ محافظة. وفيها يقول صاحب السمو الملكي الأمير ممدوح بن عبد العزيز رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية –حفظه الله-: إني أغبط كل القائمين على هذا المخيم العظيم بصدق فقد خلطوا حلاوة الأسلوب وصدق الغاية والفائدة في التوجيه وقدموها للجمهور. وقال صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكةالمكرمة -رحمه الله تعالى-: هذه تجمعات مطلوبة ونرجو أن تستمر لا أن تكون متباعدة، والواجب علينا كبير ولن نشذ عن هذا، وحكومة خادم الحرمين الشريفين تسعى جاهدة بدعم متواصل في هذا الأمر. وبعد هذه الجولة يتضح لكل قارئ كريم أنّ حديثنا عن المخيمات الشبابية في المملكة العربية السعودية. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يجعلنا ممن أعزّ أمر الله تعالى فأعزّه، ولجأ إلى مولاه فتولاه، وأن يجعلنا ممن يحيا به الحقّ والسنن، ويموت به الباطل والبدع والإحن، ويندحر به التّشدّد والتّميّع، ويستضئ بنور علمه أهل زمانه، ويقوّي قلوب المؤمنين من إخوانه. وأسأله تعالى أن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يردنا إليه ردّاً جميلاً. آمين. وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.