بلا أيّ مقدِّمات .. دعونا ندخل مباشرة إلى عُمق الموضوع! من المصَائبِ "الاِستثنائية" على الدعاةِ المصلحينَ في أطرافِ الأمةِ الإسلامية أنّ بعضَ القرارات تفرضُ عليهم أن يفرحَوا بمِقدار وأن يحزنَوا بمِقدار. وإنّ شرّ ما تُبتَلى بهِ الأمَم ( التحكُّم في العقائد والتحكُّم في الضمائر )، وقدِ اِبتُلِيَت الأمةُ بهذا الشرّ من جهةِ المنحرفينَ الذينَ أرادوا أن يتحكّموا في عقيدتها، ومن جهةِ المستبدِّينَ الذينَ تحكّموا في ضمائرها، وهيَ الآنَ في مرحلةِ مخاضٍ عسير بينَ شعورها بحقِّها المسلوب، وبينَ هذهِ المصائبِ والخطُوب، التي يقيمها لها أهلُ الاِستبدادِ وأهلُ تطبيعِ الذنوب، والعاقبةُ للمتقّين. وقدِ اِجتمعَ المُوجِبان – موجِبِ الفرَحِ وموجبِ الحزن – حولَ " قناةِ الأسرةِ الفضائية "، فقد تمّ اِفتتاحُها في بداية العامِ الهجريّ 1431ه، فاستبشَر أهلُ الإسلامِ في كلِّ مكان فرَحاً بقناةٍ سلفيَّةٍ تجمعُ بينَ الأصالةِ والمُعاصَرة، يُشرفُ عليها فضلاءُ من أهلِ العلمِ ورموز المواطنةِ الحقيقية، يعلوهم جلالُ العلمِ وَوقارُ الدينِ وسكينةُ التقوى – أحسبُهم كذلكَ ولا أزكِّيهم على الله -، ولكنّ القراراتِ التي تفرِضُ علينا أن نفرحَ هوناً ما، رأت أننا جاوزنا الحدّ وأسرَفنا في الفرَح فسكَتت سبعةَ أشهر تُحاولُ هضمَ هذا الصوتِ الذي بعثرَ الأوراقَ فلم تستطِع، وتحاولُ أخرى التلويحِ بعصا التهديدِ تارةً واستصدار قراراتٍ بهندَسةِ قُضاةِ سوءٍ تارةً أخرى فلَم تستطِع، وبعدَ أن طفَحَ كيْلُها ظهَر لها أن تأمُر بتعطيل القناةِ بحجةِ مخالفةِ قرارِ حصرِ الفتوى الذي لم يصدُر – أصلاً – إلاّ لِيُطبّقَ على " قناةِ الأسرةِ " وأصحابِها، وبحجةِ أن رخصةَ الإعلامِ لاغية … ودَع حديثَ قرارِ حصر الفتوى فلهُ شأنٌ آخر، وهاتِ الحديثَ عن تعطيلِ القناة. إنّ الذي ينبغي أن يفهَمهُ من بيّتَ أوامرهُ بليلٍ لإغلاقِ القناة؛ أنّ إغلاقَ القناة مسألةٌ لا تهمُّ أهلَ المملكةِ السعوديةِ وحدهم، بل تهمُّ الأمةَ الإسلاميةَ كلّها، وتثيرُ شعورها كلّها إلاّ شِرذمةً من مجموعاتِ المنهزمينَ في معاركِ الحقّ لا يُقامُ لهم وزنٌ وليسَ لهم قيمةٌ تُعرَف . إنّني أريد أن يفهَمَ المسؤولونَ في المملكة أنّ اِستفزازَ مشاعرِ المسلمينَ بهذا التعطيلِ الغير معروفة أسبابه ودوافعه؛ واستعداءِ متابعي هذهِ القناةِ التي كانت تمثِّلُ لهم ولِعائلاتهم شيئاً كبيراً؛ أمرٌ عاقِبتهُ غيرُ محمودة، ومسيءٌ إلى مكانةِ المملكةِ وعالميّتها وقيادتها الإسلامية . إنّ من دواعي العَجب أن تُعطّل " قناة الأسرة " في بلدٍ كالمملكةِ السعودية، حاضنة الحرمينِ الشريفين، ورائدة التضامُن الإسلامي، وحاملة شعار تطبيقِ الشريعة، ثمّ يُسمح بعودة أخواتها من القنوات السلفيّة الأخرى في دولةِ مِصر التي لا ترفع حكومتها رأساً بتطبيقِ الشريعة!! إنني أقسم بالله غيرَ حانث أنّ من أصدر أوامرهُ بتعطيلِ القناة ومن وافقهُ على ذلك من مشايخِ السوء وقضاتِه؛ لم يريدوا خيراً لهذهِ البلادِ ولم ينصحوا لها، بل إنني أتّهمهم بتعمُّد إثارة الاِحتقان بينَ الدولةِ والمجتمعِ الإسلاميّ بعمومه، وهذا أمرٌ واضح لكلِّ متابع، وإلاّ؛ فإننا حينَ نسمع تصريحات أركان المملكة ( عبد الله وسلطان ونايف وسلمان ) نجد فيها تأكيداً على اِتِّباع الشريعة وأنّها أساس بقاء الدولة واستمرارها، ثمّ يأتي هؤلاء – مهندسوا قرار تعطيل القناة – بما ينقض تصريحاتِهم، فتظهر تصريحات المسئولين أمامَ المجتمعات على أنها متناقضة، وأنّ التصريح شيء وما يحصُل في الواقع شيءٌ آخر . ليسَ من مصلحة المملكة في هذه المرحلة الاِستمرار في قرار تعطيل قناة الأسرة، فالمدّ الصفوي الإيراني المهدِّد لأمنِ الخليج العربي وسياسته؛ والذي بدأ بالتوسُّع في البلاد العربية طولاً وعرضاً، بحاجة إلى إعلامٍ سلفيٍ مستقلٍ يفضحُه، والمحاولات التغريبية التي تقوِّض بنيان البلاد الإسلامية بحاجة إلى فضائيةٍ نزيهة تكشِفُها وتُعرِّيها، وإن لم تقُم المملكة بالتأييد الرسمي والدعم المالي لأمثال قناة الأسرة – وهوَ الواجب – فلا أقلّ من أن تسمح لها بعودة البث، وأن تضمن لها حريّة الطرح، وأن ترفع عنها هذا القرار الجائر بردِّ اعتبارها والتكفُّل بسداد خسائرها المالية التي تزيد على الخمسين مليون ريال . ولعلِّي في نهاية حديثي لا أزيدُ على ما طالبَ بهِ الأخ الكاتب الأستاذ أبو لجين إبراهيم في مقالهِ ( كلام في قناة الأسرة ) حينَ قال: "وأعتقد أن الوقت قد حان لإعادة النظر في قرار وقف قناة الأسرة أسوة بغيرها، فليس من المعقول أن يستمر القرار رقم (13539) وتاريخه 22/9/1431ه والمتضمن طلب إيقاف البث المباشر للقناة، مبرراً ذلك بكون القناة تعمل بترخيص تم شطبه بعد صدوره لكونه بني على معلومات غير صحيحة، وبعد أن قام الدكتور محمد بن عبدالله الهبدان بمقابلة وكيل وزارة الإعلام في مكتبه وأثبت له أن ما جاء في قراره بني على معلومات غير دقيقة وأن السجل ساري المفعول، إلا أن سعادة الوكيل اتصل هاتفياً بالمشرف العام عن القناة بعد ذلك وطلب منه بشكل نهائي إيقاف البث دون أن يذكر له أي مبرر..!" وأطالبُ أيضاً بما طالبَ بهِ الأخ الكاتب الأستاذ علي الفيفي في مقالٍ له إذ يقول : " فأنا أطالب بعودة تلك القناة الفتية الوسطية ، التي كانت تستضيف كبار العلماء والدعاة ليبثوا الوعي والتثقيف الديني في أوساط الشباب، وأعني "قناة الأسرة" ، التي كانت تقوم بواجبها التثقيفي على مستوى الأسرة ، فهي قناة جاهزة ومستعدّة ، بكادرها الإعلامي وأستديوهاتها المجهزة ، بل وبعقودها المبرمة مع بعض الأقمار الصناعية و المدن الإعلامية ، فهي لا تحتاج أكثر من تمزيق ذلك القرار الظالم الذي بُيّت بليل ، واستند إلى عبثية شخص ، لا إلى مرجعية نظاميّة والذي قام بإلغاء ترخيصها الإعلامي ، بل نطالب بمحاسبة موقّع ذلك القرار ، وتعويض القناة عن كل خسارة وقعت فيها جراء إلغاء فسحها ، ثم إن عادت هذه القناة إلى سابق بثّها تدعم وتوجّه ليكون جزء من بثها خاصا بالتثقيف حيال ما نحن نتحدث عنه من تهديد صفوي لدول المنطقة" . ختاماً.. " إذا ضاعَ حقٌّ النفوس المتعطِّشة لمعرفةِ أسبابِ تعطيلِ القناة فما ضاعَ حقُّ التاريخِ الذي يقصُّ الخبَر، لاِستجلاءِ العِبَر، ودينُ التاريخِ أحقُّ أن يُقضى" . أسألُ ربّي أن يُصلح أحوال المسلمين، وأن يحقنَ دمائهم، وأن يبعدَ عنهم الطغاةَ والمستبدِّين.. والعاقبةُ – بإذن الله – للمتقين، والحمد لله ربِّ العالمين. [email protected]