أرأيت من يدكُّ أوتادًا قوية؛ لئلا تقتلع الرياح خيمته؟ كذا الذي يبدأ تدريس طلابه بالمفاهيم الدينية وتعريفهم بالله جلّ جلاله. وبالتجربة أقول: والله ما وجدتُ متعة في التدريس وتعليم الصغار؛ إلا بعد هداية الله لي بتدريسهم من منطلق تعريفهم بالله سُبحانه وتعالى، فيكون مُنطلقي ومُبتدئي أن يرى الطفل شواهد ربه في سائر يومه، فيرى في هذا الموقف رزق الله له، وفي موقف ثان رحمة الله به، وفي موقف ثالث قدرة الله العظيمة، وبتلكم الطريقة تتكون معرفته بعد حبّه لخالقه جلّ شأنه. ولا يظنَّن ظان أن المفاهيم الدينية منفصلة عن الحياة العملية والمفاهيم العلمية، بل إنها مرتبطة أيّما ارتباط، والرابط بينهم وثيق، يبدو واضحًا لمن صدق الله، فتُفتح له المغاليق. ومثال ذلك يسير، مما كنتُ أفعله هو التركيز على أفعال الله المناسبة لكل حقيقة ومعلومة أثناء تعليمهم عن الحيوان أو النبات أو أي مفهوم علمي. فعوض أن أقول: للنحلة رأس وصدر وبطن، أقول: خلق الله للنحلة كذا وكذا، وجعل الله لها القدرة على فعل كذا وكذا، وهداها لأن تبني مسكنها بهذه الطريقة. من أجمل تجاربي في تدريس المفاهيم الدينية كانت لأطفال الثالثة (3-4) سنوات، بعد تعرفنا على الله عزّ وجلّ في لقاءات كثيرة، سألتهم في وقت لاحق: من يعرف أشياء/ مخلوقات عددها واحد؟ أمتعوني بالإجابات على غرار الشمس، والقمر، حتى فاجئني أحدهم بقولهم: "معلمة حتى الله واحد!" (تم تنبيهه أن الله خالق وليس مخلوق). ومن الطرق الناجعة التي جرّبتها وأينعت ثمارها، هو الدمج بين تلقين المفاهيم بصورة مباشرة، ثم تعزيز المفاهيم التي تم التعرف عليها باستثمار المواقف والأحداث. تعلّم أطفالي في آية الكرسي عن اسم الله الحي، وعرفنا من خلاله أن الله له الحياة الكاملة وكل ما سواه يموت، كل ما حولنا له بداية ونهاية، وعند موته أو ضياعه يعني انتهاء عمره. كانت هذه الحقيقة كافية لأن يجد الأطفال سببًا يوصلهم للرضا والتسليم بقضاء الله وقدره. حدث أن أحضرنا سلحفاتين، استمتع الأطفال بهما كثيرًا، وأنشأوا علاقة لطيفة معهما، أسميناهما لؤلؤ وأميرة، حرص أطفالي على العناية بهما من إطعام ومداعبة، حتى جاء اليوم الذي تموت فيه أميرة، السلحفاة الصغيرة. بكت "خالة فاطمة" بكاء مريرًا حيث قُدّر لأن تموت الصغيرة في منزلها لما أرادت أن يلعب حفيدها بها، جاءت تستسمحني وتعتذر، طمأنتها فقلت لها: "مين باقي في هذه الدنيا؟" قالت: "الله الباقي" قلت لها بأن أطفالي يعلمون أن الله الحي الذي لا يموت، فلا تحزني. وجاء الاختبار الحقيقي، جمعتهم لأطلعهم على الخبر، قلت لهم: "تذكرون عندما تعلمنا عن اسم الله الحي؟ ماذا يعني هذا الاسم؟" تداعت الأصوات – ولكم أبهجَني هذا التداعي. – "يعني بس الله محا يموت" – " يعني كل شي حيخلص" – "يعني كلنا حنموت" ثم أردفتُ قائلة: "تخيلوا لو أن عندنا سمكة وكنا نطعمها ونعتني بها كل يوم، لكنها ماتت، تتوقعون لماذا ماتت"؟ الحقيقة كان قلبي وجلًا من ردة فعلهم، وبينما قلبي مضطرب، قالت مريم: " عمرها انتهى يا أبلة"، سجد قلبي شكرًا، وحمدًا. قلت: "السلحفاة أميرة ماتت"، صرخ الجميع: " لييييييش؟" أعدتُ السؤال عليهم: "تتوقعون لماذا؟ تنهدوا وقالوا: " انتهى عمرها". هذا الإيمان الذي نريده لأطفالنا، أن يفتّشوا عن التفسير المناسب للحدث المناسب، فلما تلغى رحلة لسبب طارئ، الحقيقة ليس لأن الحافلة المدرسية تعطلت وإنما لأن الله لم يأذن لنا للذهاب، بهذا الإيمان ينمو الطفل نموًا إيمانيًا سليمًا. تعلّم لتُعلّم، وزد من إيمانك لتفيض على الآخرين. إيناس حسين مليباري جامعة الملك عبد العزيز| مركز الطفولة [email protected]