" ماما ما تسمح لي" إن سمعت جملة كهذه من طفلٍ في غياب والدته، في حال عُرض عليه تناول الحلوى مثلًا، فهو مؤشر قوي لعيش الطفل في بيئة واضحة ومستقرة، لعلمه بما له وما عليه من حقوق وواجبات، يعلم ما حدود لعبه وشغبه، ومتى ما تجاوز الحد المسموح به فإنه سينال جزاءه، هذا الوضوح عزيز في التربية، وهو مطلب أساسي. يأتي الوضوح في التربية من اتفاق القائمين على تربية الطفل على القوانين والأنظمة المسموحة والممنوعة، كلما كان القائمون على اتفاق فهُم للوفاق سائرون، وكلما تفرّقوا في الرأي والكلمة، فهم للخلاف صائرون. يحدث أن يتمسّك كل طرف في البيئة التربوية برأيه! وحديثي هنا بشكل خاص عن الاختلاف الوارد بين معلمات الفصل الواحد في الروضة. وينشأ الخلاف من اختلاف وجهات النظر، ترى الأولى أن ترتيب الفصل – مثلًا – مقدّم على أيّ شيء آخر، بينما تخالفها صاحبتها فتجد أن الأولوية في الكدّ والتعب على المحتوى المقدّم، ومن هُنا تنبثق بوادر الخلاف! وتتمسّك كل معلمة برأيها، بما وجدَته بناء على خبرتها أنه الأصح والأنفع، ويعظم الجَلل إذا توافق طبع المعلمتان فكانتا ممَّن يتعصّب لرأيه، فلا مجال للتفاوض ولا للوصول لمنطقة مُرضية للطرفين. وفي الغالب، وبرؤية ما في الميدان من خلافات، فإن الضحية الأولى: الأطفال. ومما يسلّي النفس بداية، تذكّرها للآية: (وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡض فِتۡنَةً أتصبرون﴾ [الفرقان 20]، وهذا جُل مراد الله، أن يختبرنا أنصبرُ على بعضنا ونشكر، أم نضجر ونسخط؟ مع الانتباه أن الصبر لا يُنافي سعي الإنسان لتحسين الوضع، فصبر المعلمة على طبع وسلوك شريكتها في الفصل، لا يعفيها من الشروع في المحاولات لتدارك الوضع قبل استفحاله. وتبدأ المحاولات عادة داخلية – دون تدخل طرف ثالث – قد تبدأ بالتلميح بأن ثمة سلوك عليكِ تغييره، فإن لم تستجِب، فعلى صاحبتنا بالتصريح، فتخبرها أن كيت وكيت لا يصح، ولها الخيار في كيفية التصريح، بالطريقة التي تناسبها. فمنّا من تُناسبه المواجهة الفورية، فور حدوث الموقف المزعج، والذي تضرر فيه الأطفال – أو أن الله سلّمهم من الضرر – وقد يُؤجّل النقاش لوقت آخر. وقد يكون الأمر صعبًا في بدايته، وتبدو المواجهة في بدايتها كشبحٍ ضخم لا تدري بدايته من نهايته، حتى إذا ما خُاضه الإنسان يجدُ بأن ما كان يخيفه كالسَّراب! وتأتي الخطوة الأخيرة – والتي لا نفضّل عادة الوصول لها- هو تدخل طرف ثالث كالمشرفة التعليمية لفض النزاع الحاصل، أو في حال تعذّر مصارحة المعلمة لصاحبتها بممارساتها الخاطئة. صحيح أن الخطوة الأخيرة غير محبذة إلا أنها قد تكون – بعد الله- المُنجية. وبالإمكان استعمال هذه الخطوة بذكاء، كأن تجتمع المعلمة مع مشرفتها، وتسرّ لها بالأمر، وتطلب منها الحضور المفاجئ والمتكرر للوقت الذي يكثر فيه سلوك شريكتها الخاطئ، لتحفظ الود بينها وبين شريكتها، ويبدو الأمر لصاحبتها وكأنه صادر من المُلاحظة المباشرة من المشرفة. ومما هُو مُلاحظ في الأوساط التعليمية هو تهاون البعض – وإن صدر دون قصد – في إتمام مهام الفصل مثلًا أو الانشغال بأمور شخصية على الهاتف المحمول في ظل وجود الأطفال، خاصة إن كان من بين الأطفال من هو كثير الحركة أو لا يصلح أن يُترك دون مراقبة من قِبل المعلمة. كأن تتحدث المعلمة مع صاحبتها وظهريهما للأطفال، هذه الممارسة وإن بدت عابرة إلا أنها خطيرة، ومن عمِل مع الأطفال يعلم خطورة ما أقول، فقد تحدث المصيبة في جزء من الثانية. وبشكل واقعي أقول: بإمكان المعلمة المُساعدة إتمام مهام الفصل من قص الورق، وترتيب الصناديق، وغيرها من المهام، شريطة أن يكون الأطفال في نشاط مع المعلمة الأساسية والأمور مستتبة ومستقرّة، وأن تكون يقظة لما تقول المعلمة الأساسية وما تفعل، ليكون تدخلها مناسبًا، إن احتيج لذلك، ولا يظهر شرودها التام عن النشاط الذي هم بصدد القيام به. ومعلمات رياض الأطفال بارعات في هذا الجانب، أن تكون متعددة التركيز، نصف تركيزها على المهمة التي بين يدها، والنصف الآخر مع الأطفال، ولا يضرها هذا بإذن الله، ما دامت تنوي أن تؤدي عملها على الوجهِ المطلوب. وتغاضي بعض المعلمات عن ممارسات شريكاتهن في الفصل، يؤدي بدوره لانحدار مستوى الفصل بشكل عام، والأطفال بشكل خاص، فالأطفال – في الغالب- انعكاس سلوك وطبائع معلماتهنّ. وسكوت البعض نابع إما لجهلهن بضرورة التحدث، أو لعدم معرفتهن بكيفية التصرف فيقرر البعض التغاضي لحين انتهاء السنة الدراسية، باعتبارها أنه وضع مؤقت! وفي هذا إجحافًا بحق أمانة الأطفال. فالحل وإن بدا صعبًا؛ إلا أنه ضروريًا، ومن صعُبت عليها البداية فلتستعين بالله، ولتستشير من ترى فيها الحكمة من زميلاتها قبل أن تقرر ما تفعل. وأقول لكل من انشغلتْ عن أداء حقوقها كاملة مع الأطفال: اتقِ الله حيثُ كنتِ، وكوني أهلًا لما استخلفكِ الله عليه. إيناس حسين مليباري جامعة الملك عبد العزيز| مركز الطفولة [email protected]