يقولون: "التشخيص نصف العلاج" أي من تجلّت له أسباب مشكلته – صحية كانت أو نفسية – فقد قطع شوطًا كبيرًا، وبقي عليه البحث عن علاج مناسب. وكلّما انصرمت أيّام المرء وهو لحالته جاهل، تزداد فجوة بُعده عن نفسه الحقيقية التي يُحبّ، فتجده يتعامل مع العوارض ويخمدها بمهدّئات ليمضي الوقت، حتى إذا ما انتهت صلاحية المهدئ، يعاود الكرّة بتسكينٍ نفسه المضطربة بأيةِ واحدة من تلكم المهدئات التي – مع كثرتها – تقلب ضدّ صاحبها الذي أسرف في تناولها! ومع كثرة اللهو والمُلهيات، تجدُ المرء يتنقل بينهم، غير آبه بالوقت الذي أهدره وهو يهرب من نفسه، ولو أنه واجه نفسه لكان خيرًا له، لكنه يخشى الصدام، فيقاوم! ويجدُ في هذا طريقة آمنة للعيش بعيدًا عن نفسه. حتى يعرف الواحد منا مصابه، عليه مواجهة الكثير من العقبات والعوائق، أولها: نفسه التي بين جنبيه. الأمر عينه مع سلوكيات الأطفال المُشكِلة، كلّما أسرع المعلم بمعرفة دوافع هذا السلوك، الأسباب الكامنة وراءه، كلما قصُر الطريق بإذن الله. وعلى سهولة الكلام إلا أن تطبيقه في الواقع مُجهد جدًا، إذ النفس عوالم جمّة، أنّى للمعلم أن يقرر ما إذا كان ذلكم هو السبب أم غيره؟ وكل أمر عسير، يستحيل أن يكون مستحيلًا! فاطمئن. كيف أعرف دوافع سلوك الطفل؟ فطفل يخرّب، أو يضرب أصدقاءه، كيف أعرف ما الذي جعله يكرر فعلته هذه؟ بالملاحظة أولًا، قبل السلوك، هل من شيء أثاره؟ هل من أمر يتكرر، دون أن يلحظ من حوله، وهذا الأمر يستفزه ويهيج سلوكه المشكِل؟ وأثناء السلوك، ما مدى حدة السلوك واستمراريته، ثم بعد السلوك، كيف يكون بعد أن انتهى من الضرب؟ ثم بالاجتماع مع الوالدين، لمناقشة السلوك، هل تراه كذلك في المنزل؟ أم أنه سلوك خاص بالروضة؟ هل ظهر السلوك فجأة؟ هل ثمة تغييرات حصلت للطفل أو لبيئته المحيطة؟ وأخيًرا اجتماع معلمو الفصل الواحد لمناقشة النتائج، لتوحيد طريقة التعامل، وتحديد عدد الفرص المتاحة له، والاتفاق على منهج واضح للتعامل معه، فوحدة الرأي والكلمة لها قوتها دائمًا. مع ضرورة التأكيد لحاجة بعض الحالات السلوكية، بمتابعة أخصائي علاج وتعديل سلوكي. ومن ميدان التعليم، أقول: ما أكثر المشاكل السلوكية التي استمرّت، رغم انتهاء العام الدراسي، وهذا لا يعيب المعلم البتّة، فمن المعتقدات الخاطئة لدى الأهل؛ أن أحد أدوار المعلم هو القضاء على المشكلة من جذورها، ويقاس نجاح المعلم بمدى تحسّن الطفل، فإذا ما استمرت الحالة، تلغى الجهود! إننا في النهاية نسعى للعلاج، ودور المعلم هو مساعدة الطفل لفهم نفسه والتعامل مع طبعه إن كان غضوبًا أو كتومًا مثلاً، وتوجيه الأهل بما يراه مناسبًا. صحيح أن التشخيص نصف العلاج، إلا أنه يحدث؛ بل ويحدث جدًا إذ لم يأذن الله لسبب المشكلة بالظهور! وهنا تزداد المشكلة تعقيدًا، فما العمل؟ البقاء في ميدان الجهاد! ومحاولة فهم طبع الطفل لتخفيف وطأة الأمر على نفسه وعلى من حوله، ولكم وجدتُ الحل الأنفع لكل ما غاب عنّا سببه بناء الودّ، فالود الصادق بين المعلم والطفل يهوّن من الأمر، ولا يمنعه. ومما يحدث أيضًا، وضوح التشخيص وغياب العلاج المناسب! تجرّب الحل الأول فتجده صالح ليوم أو يومان على الأكثر، تنتقل للحل الثاني وحتى العاشر، فتجد أن كل حل يعيدك لنقطة الصفر! فتتساءل: لمَ لا ينجح الأمر؟ أقول لك: (قُلۡ إِنَّ 0لۡأَمۡرَ كُلَّهُ لله) آل عمران 154 حقيقٌ بحقيقة كهذه؛ أن تُريح المرء من العناء الذي هو فيه، ويقينه بأن ما أصابه هو بلاء، وعليه أن يُريَ الله منه ما يحب، أن يكون إصلاحه لله، وغضبته لله، إذ أنه في أثناء طريق التحسين والعلاج تحدث الكثير من الصدامات بين الوالدين والمعلم، وبين المعلم وإدارته، ورحلة العلاج تحتاج لقلب واسع وكبير، يسع كل المعارك القلبية والمواجهات. الوصيّة: استعن بالله ولا تعجز. إيناس حسين مليباري جامعة الملك عبد العزيز| مركز الطفولة [email protected]