أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف في كلّ مجتمع شخصيات ذات تأثير، أو يتزايد ذكرها، ويتوارد الحديث عنها، وربما لا يختفي حضورها من المجالس أو الدراسات أو الروايات الشعبية، وهذا أمر معتاد معهود في جلّ أزمنة التاريخ على اختلاف البقاع والأماكن، وهو قسم من الإرث الذي يخلّفه الراحلون لمن بعدهم، وجزء من عتاد البقاء والصمود، ومن وقود الانطلاق للمستقبل، فالذاكرة الشفهية ترفد الذاكرة المكتوبة في الحفاظ على ثقافة الشعوب وتراثها وأمجادها، وتيسر سبُل الاقتداء، وتعين على الاهتداء والحذر. لأجل ذلك، طرأت على البال فكرة رأيت مثلها عند بعض الأمم، وخلاصة هذه الفكرة حصر أهم مئة أو خمسمئة أو ألف شخصيّة في تاريخنا المحلي المحفوظ بدقة منذ عام (1157=1740م)، أو من أيّ تاريخ آخر متفق عليه لأسباب وجيهة مثل سنة توحيد الدولة عام (1351=1932م)، على أن يكون العمل وفق ضوابط ومعايير صارمة، تنفي التجاهل، وتحول دون النسيان، وتمنع إضافة من حقّه الحذف، أو إغفال مَنْ تجب له الإشادة. ويمكن أن تنهض بهذا العمل العلمي الكبير وزارة التعليم بجامعاتها التي تحتضن أقسام التاريخ وعلم الاجتماع السياسي، وكذلك وزارة الثقافة بمؤسساتها، ودارة الملك عبدالعزيز، وغيرها، مع ضرورة أن يتوافر في الفريق المسؤول عن العمل وعن إدارته، شروط ومواصفات تضمن العلمية والحيادية والأمانة، وتقضي على التحيز، وتقصي التبجيل الاكتسابي، وغيرها من الآفات المشينة، التي تزري بمستوى القبول والرضا عن أيّ إنجاز، ولو كان رشيدًا في أصله، حقيقيًا في أساسه. أما المعايير المقترحة لهذا العمل المعجمي المهم التي تحول دون الخلل والطمس فمنها: * ألّا تكون الشخصية على قيد الحياة حال الإعداد. * أن تشمل الشخصيات جميع المجالات. * ألّا يكون هناك محاصصة في شيء، فالمستحق يفرض نفسه. * ألّا تُستثنى شخصية مؤهلة بسبب موقف فكري أو سياسي أو غيره، سواء أكان الموقف منها، أو من قريب لها. * أن تكون الكتابة عن كلّ شخصية بطريقة مختصرة دون إسهاب، توضح جوانب التميز فيها، وربما تكون تلك الشخصيات مادة للتأليف الواسع أو الدراسات العليا. * منح "الآباء المؤسسين" في كلّ حقل الأولوية في التنبيه عليهم. * سرد الأسماء وفق منهج منضبط حسب الأبجدية، أو تاريخ الوفاة، أو حسب التخصص، دون تقديم أو تأخير لأسباب أخرى. * من الضرورة أن يضع فريق العمل معايير في الاختيار يحتكم عليها، ويكون دخول الشخصية إلى القائمة أو خروجها منه، معتمدًا على هذه المعايير. * وضع ضوابط واضحة لتجديد هذا المعجم كل عقد مثلًا. وأشير في هذا السياق إلى أمور أظنّ أنها ضرورية ومنها: * وصف الشخصية بالأهمية لا يفهم منه الموافقة التامة لها، فمثلًا في العصر النبوي والعهد الراشدي هناك شخصيات مهمّة، ومع ذلك فلا يحبها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان مثل أبي جهل، وابن سلول، وحيي بن أخطب، ومسيلمة، وأبي لؤلؤة، وابن سبأ، وغيرهم. * من الوفاء إضافة شخصيات مؤثرة ليست من أهل البلد، مثل العرب الذين عملوا في الدولة إبان تكوينها الحديث ولم يحصلوا على الجنسية، أو الأجانب العاملين في النفط على وجه الخصوص. * من المفهوم أن تختلف نسبة رجال العلم، والسياسة، والقضاء، والأدب، والتجارة، عن نسبة علماء التقنية، والهندسة، والطب والمحاماة، لتأخر وجودهم الزمني عن أولئك؛ فضلًا عن نسبة نجوم الرياضة، والفن، والإعلام الاجتماعي. * سيكون هذا العمل ملهمًا، ومرجعًا، ومن مفاخر التأليف الموسوعي، بشرط التزامه كما أسلفت بقداسة العلم، وقوة الحق، وجمال الصدق، وبراءته التامة من نقائص التآكل، والتزيد، والفئوية. * قد يناسب بعد إنهاء العمل، وتحريره على نسق واحد، أن يترجم إلى لغات إسلامية وعالمية؛ ليعرفنا أخوتنا في الدين عن قرب، وليعرفنا الآخرون كما نرى أنفسنا. * يمكن أن يكون هذا المعجم أو الدليل سببًا في إنتاج معاجم أخرى تختصّ بالأحداث، أو الأماكن، أو المؤلفات، أو المجالات بأنواعها، أو سير المنجزات، وربما تقتدي به دول وشعوب، وكم ترك الأول للآخر. * ستكون المنفعة من هذا المنجز العلمي أعظم بإضافة كشافات، وفهارس، وخطوط زمنية. * إقامة معرض متنقل عن هذه الشخصيات، واتخاذ شعار للمشروع، وإضافة الشخصيات إلى المناهج ودليل تسمية الشوارع والمشاريع. فهل يا ترى، سنسمع ونرى ما يبهج قلوب محبي بلادهم، وتاريخهم، ومجتمعهم، وأجيالهم الآتية، فيما يرتبط مع هذه الفكرة بعد تطويرها، حتى تظهر وضاءة مشرقة، فلربما أنها ستكون منجزًا وطنيًا يستفاد منه في الكتابة السردية، والدراسات الأكاديمية، وفي التحفيز، والتعليم، وضمن البرامج الثقافية، واللقاءات الإعلامية، وخلال المناسبات الوطنية، وإنا لمنتظرون مع صرف الدعاء مقدمًا لمن سيحمل هذا العبء بالتوفيق والعون، وإتقان العمل، وحسن العاقبة. أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض