سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكن بِها … صَديقٌ صَدوقٌ صادِقَ الوَعدِ مُنصِفا في هذا البيت صدق الإمام الشافعي وكفى ووفّى، فما قيمة هذه الحياة إذا لم يسترح المرء إلى صدرٍ ودود يحمل بين ضلوعه الحب والرضا، وكل ما يرجوه من الخير؟ وماقيمة الكون بأسره إن لم يخلد الإنسان لقسط راحة من المتاعب ومنغصات الحياة، فيتوسد قلب وعقل صديق له يجد فيه السلوى والسلوان؟ وإن خير ما يسر الإنسان في حياته ويسعده؛ اكتساب صديق ورفيق مخلص يكون له عوناً في مطبات الحياة، يشاركه الفرح ويشاطره الترح، ويغمره في عواطفه.. كتفاً يستند إليها، وكفاً يشد بها على كفه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :" ثلاثة راحة للمؤمن: التهجد آخر الليل، ولقاء الإخوان، والإفطار من الصيام". فجعل من لقاء الإخوان والأصدقاء والأخلاء راحة للمؤمن وهدوء وسكينة وصفاء يملأ نفسه ويسعد قلبه. *** إن الصّداقة عربون محبة ووئام، فهي كلمة مشتقة من الفعل "صَدَق"، وإنها علاقة تكاملية وجدانية بين طرفين، مبنيّة على الثقة والصدق والتجانس بين الأصدقاء. وهي حاجةٌ إنسانيةٌ ملحةٌ، تمكننا من تخطي عقبات الحياة وتعزز شراكتنا كأفراد في الأنشطة المجتمعية وتبادل المشاعر والأحاسيس بطريقة عفويّة بعيداً عن التملّق والنّفاق، فتغدو مصدراً للإنتاج والإستقرار و الإيجابيّة. وهذا ما يجب أن تنطوي عليه الصداقة الحقيقية؛ لكن في زمننا هذا، زمن المغريات واللهاث خلف الرزق والشكليات فقد تمخض لونٌ جديد من أصدقاء المصالح. وصنفٌ من رفاقٍ لايقدرون للعشرة مقدار، يتخذون الشيطان خليلاً حتى في علاقاتهم مع إخوتهم وأصدقائهم. يساومون في أتفه الأمور ويغالبهم ظن السوء قبل الخير، وينضح قلبهم بالحقد واللؤم. سيماهم الفجور بالخصومة؛ يفضحون الأسرار ولا يراعون معروف قد كساهم به صديقهم، وفيهم قال الإمام الشافعي: وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَهُ … وَيَلقاهُ مِن بَعدِ المَوَدَّةِ بِالجَفا وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ … وَيُظهِرُ سِرّاً كانَ بِالأَمسِ قَد خَفا عبد العزيز الحسين