أحمد بن عبد المحسن العسَّاف من الطبيعي جدًا تكرار توزير المسؤول أكثر من مرة، سواء في الحقيبة نفسها أو في غيرها، وهذا مسلك ظاهر جدًا في جلّ دول العالم أيًا كانت طريقة بلوغ المنصب؛ ولذا فليس من الوجاهة استغراب تكرار المناصب للمؤهلين، وإنما الشأن في النتائج، وطريقة العمل وما يغرسه المرء من آثار، وإنه لمسؤول في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما. ولأنه سبق لي كتابة ثلاث مقالات عن تاريخ مجلس الوزراء السعودي، فقد اجتمع لدي كم من المعلومات المستقاة من مصادر مختلفة، ومن المناسب إبرازها خاصة إذا توافق بعضها مع ما يجعل إيرادها أكثر أهمية وتوضيحًا. ففي تاريخ المجلس – حسب إحصائي – تولى تسعة وأربعون وزيرًا (49) حقيبتين أو أكثر من بين جميع أعضاء المجلس الذين يبلغ عددهم مئة وستة وثمانين وزيرًا (186)، ومن هؤلاء الوزراء ذوي الحقائب المتعددة سبعة عشر وزيرًا (17) أصبحوا وزراء لوزارات وهم قبلها أو بعدها كانوا أو صاروا وزراء دولة، والوحيد الذي كان وزير دولة ثمّ سمي وزيرًا لوزارة أو أكثر وعاد بعدها ليصبح وزير دولة هو د. إبراهيم العسّاف، وتتزين هذه القائمة بأسماء عدد من رجال الدولة الكبار. وأشير إلى أني في هذه الإحصائية حسبت أيّ وزير أصبح وزيرًا لحقيبتين بمجرد تغيير مسمى وزارته بدمج أو فصل أو إضافة أو حذف، والأمثلة لا تخفى على متابع، وأكثر وزارة تعرضت لذلك هي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي آلت الآن إلى مسمى جديد هو وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. ومن المهم التنبيه إلى أن هذا الإحصاء يتجاوز تعداد الوزارة بالتكليف أو بالنيابة ولا يحسبها لصعوبة تتبعها عليّ، علمًا أن غالب وزراء الدولة أسندت إليهم وزارة أو أكثر بالنيابة، ومثلهم بعض وزراء الحقائب. بناء على ما مضى فمن الوزراء "المعددين" صار وزيرًا واحدًا هو د. غازي القصيبي وزيرًا لخمس وزارات بالأصالة هي: الصناعة، والكهرباء، ثمّ الصحة، فالمياه، وبعدها المياه والكهرباء، وأخيرًا العمل. ومنهم وزيران أنيطت بهما أربع وزارات بالأصالة وهما: د. إبراهيم العساف وزير الدولة ثمّ وزير المالية والاقتصاد الوطني فالمالية ثمّ الخارجية فوزير دولة مرة ثانية، ويناصفه هذه الخصيصة م. خالد الفالح وزير الصحة، ثمّ الطاقة، والصناعة، والثروة المعدنية، فالطاقة وحدها وأخيرًا الاستثمار؛ علمًا أن الوزير الفالح هو أسرع وزراء هذه القائمة تنقلًا بين عدة مناصب وزارية. وأصبح اثنان من الأسرة الحاكمة وزراء لثلاث وزارات هم: الملك فيصل وزير الخارجية والداخلية والمالية – جمعهما مع الخارجية – والأمير سلطان وزير الزراعة، والمواصلات، والدفاع. بينما حمل سبعة وزراء المسؤولية عن ثلاث حقائب هم: الشيخ إبراهيم العنقري وزير الإعلام ثمّ العمل والشؤون والاجتماعية، وأخيرًا البلديات والشؤون القروية، ويعقبه عميد الوزراء وأطولهم عضوية في تاريخ المجلس من غير الأمراء د. عبد العزيز الخويطر وزير الصحة، ثمّ المعارف، فوزير الدولة. ويشترك معهم في ذلك د. فؤاد الفارسي وزير الإعلام، ثمّ الثقافة والإعلام فالحج، والشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد فوزيرها بعد نقل الأوقاف عنها وأخيرًا وزير الدولة. كما يأتي في القائمة الثلاثية الشيخ هشام ناظر وزير الدولة، فالتخطيط، ثمّ البترول والثروة المعدنية، ويجئ بعده د. ماجد القصبي وزير الشؤون الاجتماعية، ثمّ وزير التجارة والاستثمار، فوزير التجارة فقط، وأخيرًا د. توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة، ثمّ وزير الصحة، وأخيرًا سمي بالأمس وزيرًا للحج والعمرة، وهذا الذي بعثني لكتابة هذه المقالة؛ علمًا أن الوزير الربيعة هو أول وزير للحج ليس من منطقة الحجاز الشريف، وجميع بلادنا ذات قداسة وهي واحدة في الشعور والمشاعر بين أهلها وبنيها. بعد ذلك يتبقى سبعة وثلاثون وزيرًا (38) أصبحوا وزراء لوزارتين منهم أربعة عشر وزيرًا (14) كانوا وزراء دولة ثمّ أصبحوا وزراء لحقيبة أو العكس، وفيهم ثلاثة وعشرون وزيرًا (23) استوزروا لوزارتين منهم سبعة وزراء أضيفت إليهم وزارة أخرى، أو سلخت من وزارتهم مهام لصالح وزارة ثانية قائمة أو مستحدثة، وهذه الخاصية متكررة مع وزراء القوائم الخماسية والرباعية والثلاثية، مثل الوزراء القصيبي والعساف وآل الشيخ والفارسي والقصبي والفالح. أسأل الله للجميع فيوض المدد المبارك والسداد الدائم فيما يكون منه وفيه تحقيق مصالح البلاد وأهلها وساكنيها وزوارها، والله يعينهم على ثقل المسؤولية وعلى السؤال العاجل والآجل. وأضرع لمولاي أن يوفقهم لتخليف الآثار الحميدة، وتشييد المنجزات المتينة أو تمهيد الدروب لمن يلي هذه الأعمال بعدهم؛ فإن الناس كلهم غادٍ ورائح فمتقدم أو متأخر، ولن يبقَ للمرء في دنياه سوى اللسان المتداول بين الأجيال، وأما عند الله فكلّ شيء محفوظ في كتاب وصحائف لا تغادر صغيرة ولا كبيرة؛ فاللهم سلّم سلّم. أحمد بن عبد المحسن العسَّاف – الرياض