سلَّط الباحث أحمد العساف، الضوء على تاريخ مجلس الوزراء منذ تأسيسه في عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، مؤكداً أنه “الدائرة الأهم في البلاد، ومن اللائق معرفة تاريخه”. وقال “العساف” في مقاله: “صدر أمر الملك عبدالعزيز بإنشاء مجلس الوزراء في شهر صفر عام (1373) برئاسة نجله ولي العهد الأمير سعود، ولم يجتمع المجلس إلّا في شهر رجب من تلك السّنة بعد رحيل المؤسّس واعتلاء الملك سعود عرش المملكة. ومن الّلائق بنا معرفة تاريخ هذا المجلس، وفتح نافذة إليه؛ فهو الدّائرة الأهم في بلادنا”. وأضاف: “ترأس المجلس ستّة رؤساء، منهم وليّا عهد هما سعود وفيصل، ولم يحمل ثلاثة منهم قبل الرّئاسة أيّ حقيبة وزاريّة وهم الملوك سعود وخالد وعبدالله، مع أنّ الأخير استمر فترة طويلة نائبًا ثانيًا فأوّل لرئيس المجلس، وظلّ محتفظًا برئاسة الحرس الوطني مع النّيابتين، وفي مستهلّ فترة حكمه”. وتابع “العساف”: “ليس ببعيد عن الصّواب لو قلنا بأنّ الملك فهد هو أكثر من أدار المجلس بصفته النّائب الثّاني في عهد فيصل، وولي العهد في عهد خالد، والرّئيس خلال عهده، وفي ذات السّياق نجد أنّ الأمير سلطان قاد الجلسات في عهد الملكين فيصل وخالد أكثر من مرّة مع أنّه لم يحمل صفة نائب حينذاك، وهو شرط نصّ عليه نظام المجلس فيما بعد”. وأكمل بقوله: “كما يبدو أنّ موعد اجتماع المجلس أسبوعيًا لم يثبت إلّا متأخرًا، فمن البحث تبيّن انعقاده في أكثر أيّام الأسبوع، وربّما أنّ تخصيصه بيوم الاثنين كان في عهد الملك فهد، ثمّ انتقل إلى الثّلاثاء في عهد الملك سلمان نتيجة لتغيير موعد الإجازة الأسبوعيّة في عهد الملك عبدالله، واستضافت مدن الرّياض، ومكّة، والمدينة، والطّائف، والخبر، وجازان، وعرعر، وروضة خريم، ونيوم، وتبوك، الجلسات فمقلّ ومستكثر”. وأشار “العساف”، إلى أن “وزارتا الماليّة والدّاخلية أنجبتّا أكثر الوزارات، علمًا أنّ أوّل وزارة أنشئت هي الخارجيّة، ثمّ الدّاخليّة، فالماليّة، ويعقبها الدّفاع، وبعد ذلك تتابعت الوزارات، ففي عهد كلّ ملك ولدت وزارات، أو ألغيت، أو دمجت، أو فصلت، وأحدث وزارة هي الثّقافة، ومن الّلافت أنّ وزارة العدل أنشئت عام (1382) ولم تعمل إلّا بعد عشر سنوات تقريبًا، وكثيرًا ما اقترنت وزارتا العمل مع الشّؤون الاجتماعيّة ثمّ انفصلتا”. وأوضح أن “عدد أعضاء المجلس بلغ حسب إحصائي واجتهادي مئة وخمسة وسبعين وزيرًا، منهم ستّة وثلاثون فردًا من الأسرة الحاكمة، نصفهم من أبناء الملك عبدالعزيز، مع أخ واحد، واثني عشر حفيدًا، وابني حفيدين، وثلاثة أمراء من فروع الأسرة الأخرى، بمعنى أنّ خُمس مناصب المجلس كانت من نصيب الأمراء”. ولفت “العساف” إلى أنه “لم يرتبط من هذا الخمس ستّة أفراد بوزارة، منهم ثلاثة ملوك(سعود وخالد وعبدالله)، ونائب (مقرن)، ووزيرا دولة، بينما شُغل منصبا النّائب الأوّل والثّاني سبع عشرة مرّة من قبل عشرة أمراء نصفهم أصبحوا ملوكًا، وتولّى أبناء بيت الحكم مسؤوليّة ثلاث وأربعين وزارة، إضافة لستّ حقائب وزير دولة”. وبيَّن أن “لأسرة آل الشّيخ حضور بارز في المجلس، إذ أصبح اثنا عشر رجلًا منهم أعضاء في مجلس الوزراء، تعاقبوا على أربع عشرة وزارة، وثلاث حقائب وزراء دولة. ومن الموافقات أنّ وزير الزّراعة والمياه الأسبق د.عبدالرّحمن آل الشّيخ زامل عمّه وشقيقه، وجمع المجلس بين وزير العدل ونجل أخيه وزير الشّؤون الإسلاميّة”. ومضىى “العساف”، بقوله: “ومما يتعلّق بأسرة آل الشّيخ أنّ أصغر من سمي وزيرًا حسب العمر هو الشّيخ حسن آل الشّيخ؛ إذ أصبح وزيرًا للمعارف وعمره دون الثّلاثين، وإن كان أصغر الوزراء سنًا على الإطلاق هو الأمير طلال الذي دخل المجلس وعمره فوق العشرين بقليل، والشّيء بالشّيء يذكر، فقد باغتت المنيّة الشّيخ حسن وهو على مكتبه في وزارة التّعليم العالي عام (1407)”. وأكمل حديثه عن المجلس، قائلاً: “نال أطول عضويّة في مجلس الوزراء الأمير سلطان الذي كان وزيرًا للدّفاع مدّة نصف قرن متواصلة(1382-1432)، ويليه الوزير د.عبدالعزيز الخويطر الذي أدار وزارات كثيرة بين عامي (1394-1435)، والأمير سعود الفيصل (1395-1436) وجلّ خدمته المجلسيّة في وزارة الخارجيّة، ويأتي بعدهم الشّيخ أحمد زكي يماني الذي صرم ربع قرن في وزارة البترول، والسّنوات القادمة كفيلة بتطويل مدّة ثلاثة وزراء هم الأقدم حاليًا اثنان منهم وزيرا دولة”. واستطرد “العساف”، قائلًا: “أعفي من المجلس أربعة وزراء من غير الأمراء ثمّ عادوا إليه، ولا أعرف هذه الخصيصة لغيرهم، وهم الشّيخ أحمد جمجوم إذ غادر وزارة التّجارة ثمّ رجع إليها بعد سنة تقريبًا، وأ.محمّد الفايز الذي ترك العمل والشّؤون الاجتماعيّة لديوان الخدمة، لكنّه عاد إلى المجلس بعد أربع سنوات على إثر تحويل الدّيوان إلى وزارة”. وذكر أن “د.غازي القصيبي أقيل من وزارة الصّحة ثمّ قفل إلى المجلس عبر حقيبة الماء والكهرباء بعد عقدين تقريبًا قضاهما سفيرًا في البحرين وبريطانيا، وأقصر الإعفاءات مدّة كانت من نصيب الشّيخ صالح آل الشّيخ الذي صُرف عن وزارة الشّؤون الإسلاميّة شهرين متتابعين، وما لبث أن أعيد إليها”. وأبان “العساف”، أن “سؤال التّسمية ومسألة الإعفاء يعدّ من أكثر ما يتناقل النّاس أخبارها وتكهناتها، وهما من علم الغيب الذي لم يطّلع عليه إلّا قلّة، وكلّ ما يُشاع رجم معيب ما لم يستند إلى خبر ثابت، أو مباحث علميّة رزينة، وقبل سنوات عرضت دراسة أجراها د.محمّد بن صنيتان للحصول على درجة الدّكتوراه، وكانت عن النّخبة السّعوديّة وانتقائها”. واستدرك بقوله: “أمّا الإعفاء فسرٌّ أصعب، ولا طائل من تفسيراته المعتسفة، حتى لو رافق إقالة بعض الوزراء ضجّة بسبب مناصبهم أو شخصيّاتهم، ومن أبرزهم الشّيخ الطّريقي، وخلفه الشّيخ يماني وهما وزيران للبترول، ثمّ د. القصيبي بعد إقصائه عن حقيبة الصّحة وهو كاتب وشاعر معروف ملأ اسمه الصّحف إذ ذاك”. واعتبر “العساف”، أنه “لم تشتهر استقالة ذاتيّة من الوزارة إلّا موقف السّفير محمّد الحمد الشّبيلي الذي اعتذر عن وزارة العمل والشّؤون الاجتماعيّة بعد أقلّ من أسبوع على تسميته لها، وإلحاح الشّيخ صالح بن عبدالرّحمن الحصيّن طالبًا التّقاعد، وإصرار وزير الماليّة د.سليمان بن عبدالعزيز السّليم على الاستقالة لأسباب صحيّة، واستعفاء د. محمّد بن عبدالعزيز آل الشّيخ وزير الدّولة والبلديات قبلها، وهم مَنْ هم في التّفنّن بالخدمة العامّة، والحرص على خدمة بلادنا وقادتها وأهلها كغالب وزرائنا”. ورأى أنه “كما لا تخطئ العين أنّ وزارة الصّحة هي أكثر وزارة تعاقب عليها الوزراء، وأنّ العلاقة بين مجلسي الشّورى والوزراء وثيقة، فكم من عضو شوري غدا وزيرًا وهو الأكثر، وكم من وزير أضحى عضوًا في الشّورى. ومن اللّطائف أنّ خمسة وزراء أصبحوا أعضاء بهيئة كبار العلماء إبّان عضويتهم بالمجلس، وهم المشايخ إبراهيم آل الشّيخ ومحمّد بن جبير ود. عبدالله آل الشّيخ و د. محمّد العيسى وجميعهم حمل أمانة وزارة العدل، ود. عبدالله الترّكي وزير الشّؤون الإسلاميّة الأسبق. كما أوضح “العساف”، أن “المجلس يمتاز بكثرة وزراء الدّولة فيه، إذ شغل واحد وأربعون وزيرًا هذا المنصب، منهم تسعة كانوا وزراء دولة للشّؤون الدّاخليّة أو الخارجيّة أو الماليّة أو لشؤون مجلس الوزراء أو لشؤون مجلس الشّورى، وفيهم سبعة عشر وزيرًا أدار وزارة أو أكثر قبل توليه وزارة الدّولة أو بعدها، ومع التّقدير لجميع الوزراء؛ فإنّ قائمة وزراء الدّولة تضمّ أسماء كبيرة، ومخازن للخبرة والبصيرة، ورجال دولة من طراز فخم”. واستكمل حديثه، قائلاً: “حين نستعرض دراسة الوزراء وأعمالهم سنجدها في الشّريعة، والقانون، والإدارة، والاقتصاد، وتقنية المعلومات، والهندسة، والطّب، والكيمياء، والعلوم العسكريّة، ويجيد كثير منهم لغة أو أكثر، وفيهم قضاة، ومثقفون، وأكاديميون، ومهنيون، ومديرو شركات، ورجال أعمال، وقادة في الأمن أو الجيش”. وختم “العساف”، مقاله، قائلاً: “أشير أخيرًا إلى أنّ عددًا ليس بالقليل من الوزراء أصدر سيرته الذّاتيّة، ومنهم من فعل أو يهيئ قلمه، وهذا مسلك نبيل فيه بوح وخبرة ومواقف وفوائد. وأود التّأكيد بأنّ هذه المعلومات جمعتها بالقراءة والبحث والسّؤال؛ لصعوبة تعاون بعض الأجهزة الحكوميّة المحتفظة بالوثائق، وحين فرغت من الجمع المضني وصلني كتاب من تأليف د. عمر الخولي حول الوزراء والوزارات، وآمل أن تتاح لي قراءته والكتابة عنه قريبًا، وأضرع لمولاي أن يوفّق المجلس ومن فيه لخير بلادنا في حاضرها ومستقبلها، وأن يرحم جميع من خدم وأخلص ونصح”.