أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي, أن الزواج في الإسلام رباط وثيق يجمع بين الرجل والمرأة، وبه تسكن النفس وتقر العين مستشهداً بقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) وقال جل ذكره: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : إن الشارع الحكيم قد حرَص على المحافظة على الأُسرة وتماسكِها ورغَّب في الإبقاء على عقد النِّكاح، وأمر الزوج بالمعاشرة بالمعروف، ولو مع كراهته لزوجته، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا), ووصف الله تعالى عقد النكاح بالميثاق الغليظ، فقال: ( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) ومقتضى وصفه بذلك الاستدامةُ والسكن والاستقرار، مشيراً إلى أنه لهذا يجب على الزوجين أن يقاوما كلَّ ما يتهدد هذه المطالب السَّنية، فيتجاوزا ما يقع من الخلافات الزوجية التي قد تفسد تلك الرابطةَ المحكمة والعلاقةَ المتينة، وقال : إذا كان ذلك فإن حلَّ عقدِ النكاح وطلبَ الانفصال من قبل الزوجة أمر محظور لا يُلجأ إليه إلا عند تعذر استمرار الحياة الزوجية وبعد استنفاد جميع الطرق وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المنتزعات والمختلعات هنَّ المنافقات)، ولهذا لم يُبَح إلا ثلاثَ مرَّات، وحَرُمت عليه المرأةُ بعد الثالثة، حتى تَنكِح زوجًا غيره، وإذا كان إنما أُبيح للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باق على الحظر “. وبين الشيخ الغزاوي أن مما يؤكد هذا المعنى ورود النصوصِ النبوية التي تحذر من المخالفات الشرعية المؤدية إلى الطلاق، فمن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( ليس منا مَن خبَّب امرأة على زوجها أو عبدًا على سيده) رواه أبوداود, وعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه، وعَن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) متفق عليه واللفظ للبخاري. وأوضح أنه إذا تبين ذلك فلنعلم أن الطلاق في مجتمعات المسلمين اليوم قد تجاوز الناسُ مفهومَه الشرعي وهدفَه المرعي إذ أصبح الطلاق – الذي جعله الإسلام حلا للمشكلات المستعصية بين الزوجين وعلاجا يلجأ إليه آخر المطاف – أصبح مشكلةً بذاته حين صار ألعوبة في أيدي العابثين، ومساغاً سهلا في أفواه المتهورين الذين لا يعرفون للحياة الزوجية معنى، ولا يقيمون لها وزنا، يتزوجون اليوم ويطلِّقون غدا اسْتخفافا بهذه الرابطة الربانية. وقال فضيلته : إن مما يؤسف له أن معدلات الطلاق قد ارتفعت ارتفاعًا كبيرًا في السنوات القليلة الماضية، وصار ظاهرةً متفشية، إذ انتشرت حالاته بصورة جلية وتزايدت نسب الفراق بين الزوجين وأصبحت الإحصاءات والنسب الكبيرة من الطلاق أو الرغبة في فسخ عقد النكاح مخيفةً ومنذرةً بخطر كبير على المجتمعات المسلمة، وعند النظر في الأخطاء والمشكلات الأُسْرِيةِ التي كدرت صفو الحياة الزوجية، وكانت سبباً في وقوع الطلاق نجدها كثيرة ومتنوعة؛ فمن ذلك سوءُ اختيار الزوجين أحدهِما للآخر، إذ قد يُقدِمُ أحدهما على الزواج وهو لا يعرف عن شريكه شيئاً لا في الدين ولا في الخلق ويكتشف ذلك بعد المعاشرة بينهما. ولفت إلى أن من أسباب وقوع الطلاق ضعف الوازع الديني والتقصيرُ في حق الله وخاصة الصلاة، والتفريطُ في التحصين الشرعي بذكر الله وقراءة القرآن وفي المقابل الوقوع في الذنوب وارتكاب المعاصي واستمراؤها مما يؤدي إلى حصول الشرور والنزاع بين الزوجين ومن ثم الفراق. وقال : ما أخبار مدمني المخدرات وشاربي المسكرات في تعاملهم مع أزواجهم بخافية؛ من الاعتداء على أزواجهم بالضرب المبرِّح والسب واللعن والطرد من المنزل والتلفظ بالطلاق. وكشف فضيلته أن من المشكلات الأسرية عدم تحمل المسؤولية من قبل الزوجين كترك الزوج إدارةَ شؤون البيت وتوفيرَ احتياجاته وانشغالِه بالجلسات والسهرات مع رفقائه وكثرة الأسفار لغير حاجة وتضييع حقوق رعيته، وكذلك إهمالُ بعض الزوجات بيتَها وانشغالُها بوسائل التواصل عبر الجوال أكثرَ وقتها دون مراعاة لحقوق زوجها أو عيالها. وأشار الشيخ غزاوي إلى مبالغة بعض الناس في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وشدةِ إدمانهم عليها وترددِهم على المواقع السيئة من الشبكة، مما أدى إلى مفاسد عظيمة ذاتِ أثر كبير على العقيدة والسلوك والأخلاق ويدخل في ذلك افتتان بعض الأزواج بأن يُعجَب بامرأة غير زوجته ويتعلق قلبه بها وقد يقيم علاقة محرمة معها عياذا بالله فيحتقرُ زوجته ويزهد فيها ويهملُها ثم يطلقها، ومثل ذلك افتتان بعض الزوجات بوسائل التواصل فتقع في خيانة زوجها بمراسلات ومحادثات مع أجانب في الجوال ومواقع الشبكة، وعندما يكشف أمرها تعظم هناك بليتها. وأكد فضيلته أن من المشكلات أيضاً عدم وجود الاستقرار الأُسْري بين الزوجين، وعدمُ فهم الحياة الزوجية فلا يراعي أحدهما حق الآخر فيفقدان التفاهم والاتفاق بينهما ويسود حياتَهم أجواءٌ من العداوة والشقاق والمعاندة والمناكفة، ويستفحل الأمر ويتعاظم عندما يتهاونان في أمر الطلاق فترى بعض الأزواج يهدد ويتوعد زوجته بالطلاق، ويجعله سيفا مصلتا عليها، وترى بعض الزوجات تكثر من طلب الطلاق وتستفز زوجها حتى يطلقها، إلى غير ذلك من التجاوزات الشرعية. وبين أن من المشكلات كذلك التي قد تتسبب في الطلاق ما يصدر من أفعال خاطئة وتصرفات غير رشيدة في الحياة الزوجية، كسوءِ الظن بين الزوجين والشك المفرط بينهما والغَيرةِ غير المحمودة الزائدة عن الحد، وكتعيير الزوج لزوجته بكبر سنها أو بشيء في خلقتها وكمنع الزوجة من صلة والديها وقرابتها وزيارتهم لغير مسوغ شرعي، وكبخله على زوجته بمنعها الواجب عليه من النفقة بالمعروف، وذلك يشمل توفير المسكن والمطعم والمشرب والملبس والعلاج والدواء، وقال : أما ما عدا ذلك من الكماليات، فلا يجب عليه ما دام أنه قائم بما أوجب الله عليه من النفقة، فمن الزوجات من ترهق كاهل زوجها بكثرة المطالب التي تفوق طاقته ويعجز عن توفيرها. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام قائلاً : ومن الزوجات من تتعالى على زوجها وتترفع عليه بمستواها التعليمي أو عملها الوظيفي أو اختلاف الطبقة الاجتماعية بينهما كذلك من المشكلات أيضا ما يعاني منه بعض الأزواج من اضطرابات نفسية وسلوكية مختلفة وعدم الشعور بالاستقرار مما يجعله في مواجهات دائمة مع زوجته وكراهة لها ونفور منها ولا يسعى في معالجة نفسه حرصا على بقاء المودة والمحبة والوئام مع زوجته، ومما يتبع ذلك طبائع بعض الناس من سرعة الغضب والحماقة وسوء التصرف في المواقف والافتقار إلى الحكمة, متسائلاً كم من مشكلة نشبت بين الزوجين وكم من خلافٍ احتدم بينهما بسب أمر تافه حقير كأن يطلبَ الزوج من الزوجة شيئا فتنسى أو تتأخرَ في فعله، أو تطلبَ الزوجةُ من زوجها شراء شيء فينشغلَ عن ذلك ويؤجلَه وهكذا من الأمور الهينة التي لا ينبغي أن تثيرَ حفيظة المرء وتُفقدَه السيطرةَ على نفسه، فيتصرفَ بغير عقل ويشتعل الخلاف ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. وأوضح فضيلته أن من المشكلات عدم مراعاة الرجل خصائصَ المرأة الجسديةَ والنفسية والعقلية وما تمر به من أحوال مختلفة، فعلى سبيل المثال يعتري المرأةَ بعد الإنجاب تغيرٌ في هيئتها وجسمها، فيبدأ بعض الأزواج بالتهكم على زوجته والسخريةِ منها فتتحطمُ مشاعرها وتفضل الطلاق على البقاء مع رجل يسيء إليها ولا يحسن عشرتها وكذلك تدخل أهل الزوج وأهل الزوجة في شؤون الزوجين الخاصة أو تدخلهم بغير حق فيما يقع بينهما من مشكلات وتأليبُ أحدهما على الآخر مما يؤدي إلى تفاقم الخلاف وقد ينتهي بالفراق بينهما. كما أن من المشكلات التي قد لا يُفطن لها أنَّ تناول بعض النساء أقراصَ منع الحمل باستمرار له آثار جانبية صحية؛ كما ذكر ذلك بعض الناصحين من الأطباء؛ حيث فقد يؤثر في تغير مزاج المرأة وإصابتها بالاكتئاب والأعراض العصبية الزائدة ما يؤدي إلى التوتر في الحياة الزوجية وتزايد الخلافات بينهما وقد يصل الأمر لحد الطلاق. وأكد أن تطَلُّع بعض الزوجات إلى أن تكون في مستوىً معيشي راق تعد من المشاكل التي تؤدي إلى الطلاق فلا تقنع بما هي فيه، بل تنظر إلى من هو فوقها، وقد تتأثر بما تصنعه سفيهات العقول اللاتي يتباهين بما يملكن فلا تراعي حرمةَ بيتها وحياتَها الزوجية الخاصة فتقوم بتصوير الأثاث والملابس والمأكولات بالسنابات أو غيرها وتنشرها فتفسد على الأزواج بيوتهم وتكون سببا في خرابها مما يسهم في كثير من المشكلات الأسرية التي قد تنتهي بالطلاق. وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن ما يحدث بين الزوجين من خلافات في أمور البيت والمعيشة أمر طبيعي، وسنة من سنن الحياة الزوجية، وهو متوافق مع طبيعة الحياة الدنيا التي لا تصفو ولا تخلو من كدر، وبيت النبوة الطاهر على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ربما كان يحدث فيه المرةَ بعد المرة شيء من ذلك التعب والتكدير؛ وكان بين نسائه صلى الله عليه وسلم من التغاير ما يحدث مثله، أو شبيهه بين النساء, مؤكداً أنه يجب على الزوجين ألا يعتقدا أن الحياة الزوجية وسعادتها تعني أن تكون خالية من المشاكل بل تعني القدرة على حل تلك المشاكل وحصرها وألا يجعلاها تؤثر سلبا على علاقتهما مع بعضهما. وتطرق فضيلته إلى أسباب متعددة للعزوف عن الزواج أفرزها الواقع الاجتماعي اليوم فمن ذلك ما لبس به الشيطان على بعض الفتيات من امتناعها عن النكاح ورفضها له خوفا من أن تتحمل المسؤولية، أو أن يسيطر هذا الزوج على حريتها؛ ويمنعَها من الاستقلالية فلا تخرجَ إلا بإذنه ويرفض أن تعمل أو يمنعها من الاستمرار في وظيفتها وهذا ناتج عن ردة فعل بسبب تصرفات خاطئة لبعض الأزواج وتجاوزهم في معاملتهم لأزواجهم مخالفين أمر ربهم، وإلا فإن القوامة أمر شرعي تعني قيام الزوج بما يصلح شأن زوجته بالتدبير والصيانة وهو تكليف للزوج، وتشريف للمرأة وتكريم لها بأن جعلها تحت قيّم يقوم على شؤونها وينظر في مصالحها ويذب عنها، ويبذل الأسباب المحققة لسعادتها وطمأنينتها وقال : لعل هذا يصحح المفهوم الخاطئ لدى كثير من النساء من أن القوامة تسلط وتعنت وقهر للمرأة وإلغاء لشخصيتها. ولفت فضيلته إلى أن من أسباب عزوف بعض الفتيات عن الزواج أيضا الخوف من أن يكون مصيرهن كمصير من طلقت بعد فشل حياتها الزوجية ووصفت بأنها عانس وهذا خطأ فكم من فتاة تزوجت واستقرت أمورها وسعدت مع زوجها وعاشت حياة هنيئة ولم يكن بينهما بفضل الله فراق بل مودة ورحمة. وأكد الشيخ الغزاوي أن للطلاق آثارا نفسيةً سيئة على المرأة فكم تشعر بالحزن والاكتئاب والأرق بعد طلاقها من زوجها لكن من أغرب الأمور والعادات الدخيلة ما تفعله بعض المطلقات مخالفة للفطرة من إقامة حفل بمناسبة طلاقها من زوجها، يدعى إليه الأهل والأقارب والصديقات تعبيرا عن فرحتها وابتهاجها بتطليق زوجها لها. ودعا فضيلته إلى تلمس أسباب هذه المشكلة ومعالجتها وأن يهب المجتمع بكل مؤسساته وأفراده للعلاج كل فيما يخصه، ويتداعى المصلحون لتوعية الناس بمدى التساهل الذي أصاب الكثيرين تُجاه هذه القضية الخطيرة والسعي في معالجة هذا الداء المستفحل, مشيراً إلى أن من وسائل العلاج العملية لظاهرة الطلاق إقامة دورات تدريبية تثقيفية للمقبلين على الزواج فالوقاية مقدمة على العلاج ومعالجة المشكلات قبل وقوعها عن طريق تدريب وتأهيل الأزواج يقلل من نسبة حالات الطلاق؛ فما يقدم لهم من معلومات ثرية قيمة ونصائح علمية واجتماعية وتعريفهم بالمعارف المهمة، والآداب المرعية في التعامل له فائدة عظيمة في حياتهم المستقبلية بعد الزواج مما يسهم في قيام أسر على بناء راسخ وأسس سليمة تضمن لها النجاح بإذن الله ومن العلاج لذلك السعي في الإصلاح بين الزوجين، وبين المختلفين عموماً، فهو من أعظم القربات إلى الله عز وجل, مؤكداً أن التدخل في الخصومات للإصلاح وبين الزوجين خاصة عمل مرغب فيه، وعدم وجود الناصحين والمصلحين الحكماء في كثير من الحالات يكون من أسباب حصول الفراق بين الزوجين.