في كل رحلة على متن الطائرة أحرص على أن يكون مقعدي بجوار النافذة؛ وذلك لأنه الموقع الأكثر هدوءاً والأبعد عن الحركة أثناء الرحلة، كما أنه يتيح لي إطلالة واسعة وجميلة على المناطق والمنازل والطرقات أحياناً.. وكلما سافرت بالطائرة خارج المملكة – خصوصاً حين تمر الطائرة ببلدان غير إسلامية – فإنني وأنا أرى هذه المسافات الشاسعة، أستشعر حجم التقصير الكبير الذي نقع فيه جميعاً بعدم قيامنا بنشر رسالة هذا الدين العظيم إلى العالمين. وترى من خلال النافذة ألوف المنازل المتناثرة في كل مكان، يولد أهلها، ويتعلمون، ويعيشون، ويموتون، ولم يصل إليهم من نور الرسالة المحمدية شيء، وإن وصل، فليس سوى صورة مشوهة ومبدّلة ومبتسرة عن "الإسلام" وعن نبي "الإسلام"، وتقوم المنظمات الصهيونية، وأذرعتها الإعلامية بالكثير من الجهود الكبيرة والمستمرة لأجل هذا التشويه المتعمد. ولهذا تعيش تلك المجتمعات الشرقية والغربية خواءً كبيراً، وفقداناً لبوصلة السعادة، وضياعاً غير محدود، وتتحول إلى ما يصدق فيه قول الله تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)! وهذا الضلال والضياع يشمل المعتقد، والأخلاق، والقيم، والسلوك، بل لا أبالغ إذا قلت بأنه يشمل كل مناحي حياتهم.. ومع أن في أيدينا كنزاً ثميناً، ولدينا نور من الحق مبين؛ فإننا في الكثير من الأحيان نقتصر في جهودنا على مخاطبة أنفسنا، ونتوقع أن الرسالة قد وصلت، وأن الحجة قد بلغت، مع أن الواقع يشهد بأن ذلك لم يحصل، وأن إعراض الأمم عن الإسلام إنما هو لعدم بلوغ الرسالة، فذلك هو السبب الرئيس في جهل العالم بالإسلام، ومعاداته له، رغم توفّر الوسائل الإعلامية غير المحدودة، والتقنيات المتطورة. والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى أعمالنا في مجال الدعوة للإسلام والتعريف، فسوف ندرك أنها محاولات صغيرة جداً إذا قارنها بالمهمة المطلوبة منّا، وحجم الشريحة المستهدفة. بل وإن تلك المشروعات القائمة اليوم تعاني من المحدودية بشكل جلي، محدودية العدد، ومحدودية المحتوى، ومحدودية الانتشار، ومحدودية اللغات، ومحدودية الوصول، فضلاً عن قلة مواردها المالية التي تجعلها تعمل بأقل طاقة إنتاجية ممكنة. لذا فما أجمل أن يبادر كل واحد منا إلى أن يسأل نفسه: (ما هو الدور الذي يمكنني تقديمه في إيصال رسالة الإسلام النقية للعالمين؟ وأين يمكنني أن أضع قدمي على هذا الطريق؟) ولندرك أننا أمام مسؤولية كبرى، وجهد ضخم جداً يجب بذله لإصلاح العالم برمّته بعد أن عبثت فيه شياطين الإنس والجنّ، ذلك أن الانحرافات عن أمر الله باتت مما يولد عليه الصغير، ويشيب عليه الكبير، بل تحولت من كونها أفعالاً مخالفة للسائد، إلى أن أصبحت "حقوقاً"، و"بدهيات"، وبات هناك من انتدب نفسه للدفاع عن الرذيلة، وربما اعتبرت بعض تلك الصور جزءاً من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مع كونها انحرافاً واضحاً عن الفطرة السوية، والقيم الأخلاقية، وكافة الديانات السماوية.