كلام الله في قلب كل فرد فينا، لكننا مشغولون بما يدور في رؤوسنا إلا بالصوت الخافت الهادئ داخلنا، فهناك ضجة كبيرة وصخب عال في هذا الرأس الذي جعلنا منه سوقاً تجارية، وكل ما نحتاج إليه هو فن إدارة إسكات العقل قليلاً، وإسكات الصخب قليلاً، لنمنح السلام فينا مزيداً من المساحة، فننصت الى الموسيقى الالهية التي تعزف على آلة قلوبنا ألحاناً سماوية، فتنظم بنغماتها حركة النفس ودقات القلب، فكل إنسان ينتمي إلى الله، فنحن وُلِدنا ونور الله فينا، نعيش فيه، وفيه نموت، طاقتنا هي طاقة الله، فالله هو أصل الطاقة الكلية للوجود وسرها، إن الإله - ببساطة - هو الوجود كله، وهو أكبر من القياس وأعظم من قدرة العلم على اختباره، أما الدين فهو البحث في هذا «الأعظم»، وكل إنسان - مهما كان- يحمل معه معاني إلهية، وكل شيء إلهي هو لا نهائي ولا محدود، فمن أين جاءت محدوديتنا إذاً؟ من حواسنا، مع أن كل شيء مرتبط بغيره، ولكن جاءت الحواس فحددت الإطار، تماماً كما لو أنك تنظر من النافذة، وهذه النافذة تشكل بروازاً للسماء التي هي في الأصل بلا شكل وبلا حدود، فتصبح فتحة النافذة إطاراً للسماء. عيناك نافذتان، وما تراه بهما يصبح مؤطراً. أذناك نافذتان وما تسمعه بهما يتأطر أيضاً، وهكذا تستمر حواسنا في قولبة الأشياء التي هي بلا تأطير أو تشكيل، فالعالم لا يتألف فقط مما هو مرئي، بل مما هو لا مرئي أيضاً، لا يحتوي فقط على ما يمكن قياسه، بل على ما لا يمكن قياسه أيضاً، لا يقتصر فقط على ما في الخارج، بل على ما في الداخل أيضاً. إنه الله قبل كل شيء، وهو البعد الباطني، وهو الضمير، ومع ذلك لم نحرص على ثقافة وجود هذا الضمير، لم نزرع ما يعنيه تعريف الضمير في تربية أطفالنا، لم نصر عملياً على أهمية القدوة والاحتذاء في تمثيل الضمير، لكننا لم ننس أن نخوّف أبناءنا من الله، فنذكرهم بوعيده وعقابه وعذابه الذي ينتظرهم عند كل خطأ بشري، فحتى هذه تدخلنا فيها وأصدرنا فتوانا، فما أدرانا بحكم الله على أفعال عباده وأقوالهم؟ فله الأمر من قبل ومن بعد، الأمر ليس لنا ولسنا بمفوضين عنه، والآن أيهما أصح: ثقافة تربية الضمير، أم ثقافة الخوف من الله؟ فإن كانت ثقافة التخويف هي المُقدَمة فباسم من إذاً اقترفنا جرائمنا وتجاوزاتنا؟ وهل يعني ارتكابها أننا لا نخاف الله؟ أم يعني أن المحبة كانت ستؤتي أكلها أكثر مما أتى به الخوف؟ والسؤال: لم يحرص الأجنبي على مراعاة ضميره وهو الذي لم يدرّس ولم يلقّم مثلنا ما يعنيه الخوف من الله؟ انظر إليه وهو يرفض الكذب ولا يبرره، وانظر إلينا كيف أصبح الصادق فينا هو الاستثناء، ثم نتشدق بعلو صوتنا ونتوسع في المجالس بسيرة فلان الذي فقد ضميره، وعلان الذي نام ضميره، عفواً. هل ثقافة ضميرنا محلها اللفظ دون التفعيل؟ ثم لو كان مفهوم الترهيب من الله يجدي منهجاً فلِم لَم يردعنا حين ارتكاب الخطايا عندما قرر ضميرنا أن يستقل بذاته ويصر على كونه مجرد لفظ؟ من أهم الأمور التي يجب تذكرها باستمرار أن الله يحبك، فهو لا ينبذك ولا يتجاهلك، بل يعتني بك وبقصصك ولكن على طريقته، فهو الإله وهو المتصرف، وكلما تعمقت فكرة أنك محبوب من الله، ستكون قادراً على أن تحب غيرك، ولكن عندما يتضاءل إحساسك بحب الله لك حتى ليكاد يختفي من يومك، ستصبح سماؤك فارغة كضميرك، فيسهل عليك التصرف بلا رحمة ولا تقدير للنور الإلهي بداخلك، مهما زرعوا فيك من أدبيات الخوف من الله. [email protected]