الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: من فضل الله سبحانه أن رزقنا مواسم للخيرات يتنافس فيها المتنافسون، ويتسابق فيها المؤمنون، يتعرضون فيها لرحمات ربهم علّه يغفر لهم السيئات، ويدخلهم الجنات. * فضل الصيام: – كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه (جاءكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله). – وقال صلى الله عليه وسلم (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة) – ومن شرفه أن فيه (ليلة القدر خير من ألف شهر) خير من ألف شهر أي من (83) سنة و(4) أشهر، قال المفسرون: عمل صالح في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة قدر. وسميت بالقدر: لأنها تقدر فيها الآجال والأرزاق والأعمال. – قال صلى الله عليه وسلم (إن الملائكة تلك الليلة أكثر من الحصى) وقد قال سبحانه: (تنزل الملائكة والروح فيها) والملائكة لا تنزل إلا بالخير والبركة. قال الرازي: اعلم أن من أحياها فكأنما عبدالله نيفاً وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعماراً كثيرة. – قال الشيخ محمد بن عثيمين: من علامات ليلة القدر: أنها ليلة هادئة، وأن المؤمن ينشرح صدره لها، ويطمئن قلبه وينشط في فعل الخير، وأن الشمس في صباحها تطلع صافية ليس لها شعاع. * من حكم الصوم: – تحصيل التقوى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). – تخلي القلب للفكر والذكر؛ لأن تناول الشهوات يستوجب الغفلة، وربما يقسي القلب ويعميه. – اجتماع أنواع الصبر الثلاثة في الصائم: على الطاعة – صبر عن المعصية – صبر على الأقدار المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين الذين وعدهم الله بقوله: (إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب) (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية). قال ابن مرة: راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة الروح في قلة الآثام، وراحة اللسان في قلة الكلام، والذنوب للقلب بمنزلة السموم للأبدان. * رمضان مزرعة الآخرة: إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ندمت على التفريط في زمن البذر حقاً! رمضان مزرعة للآخرة، فماذا أعددت له؟ نية صادقة لاستغلاله بالطاعات؟ أم بالاستعداد في التفنن بأنواع المآكل والمشارب؟! أم بالسهر واللهو وإضاعة الأوقات؟! – إنه شهر عظيم لتطويع النفس على الطاعة وترك المعصية، من فرط فيه فمتى يتوب؟ من فرط في أوقاته النفيسة في الإعراض عن مولاه، فمتى سيعود إليه؟! قال بعض السلف: إن من علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله فيما لا يعنيه. * ما ينبغي فعله في هذا الشهر: 1 – أداء الصلاة في وقتها: لما سئل صلى الله عليه وسلم:أي الأعمال أفضل؟ قال: (الصلاة في أول وقتها) ثم أي؟ قال: (بر الوالدين). فحذار من التفريط عن الصلاة المفروضة بحجة النوم.. قال سلمان: الصلاة مكيال، فمن وفى وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عن المطففين. 2 – الإقبال على تلاوة القرآن، قال صلى الله عليه وسلم (من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف). قال ابن رجب: كان السلف يختمون القرآن في سبع ليال ومنهم من يختمه في ثلاث ليال، وقد ورد الحديث في النهي عن ختمه في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، أما في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر وفي الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان. فقد كان للشافعي (60) ختمة يقرأها في غير الصلاة. وفي هذا العصر رأينا رجالاً ونساءً يختمون القرآن كل يوم ختمة. قال الشيخ عبدالكريم الخضير: قراءة القرآن (كاملاً) أقل تقدير لها (6) ساعات يعني بالتجربة، ورأينا من يبكي وهو يقرأ بهذه السرعة لأن المسألة مسألة مران، لكن أقل من هذا مستحيل {من شريط(قد أفلح من زكاها)}. – قال محمد بن الحسين في قوله: (أفلا يتدبرون القرآن) ينبغي أن يكون همّ العبد عند تلاوة السورة إذا افتتحها: متى أتعظ بما أتلوه؟ ولم يكن مراده متى أختم السورة؟ وإنما مراده متى أزدجر؟ متى أعتبر؟ لأن تلاوة القرآن عبادة، والعبادة لا تكون بغفلة. * كيف أصلح قلبي؟ – اقرأ القرآن بتدبر، قال ابن القيم: قراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب. فقراءة آية بتفكر خير من قراءة ختمة بغير تدبر وفهم. 3 – الصدقة: قال صلى الله عليه وسلم (أفضل الصدقة صدقة في رمضان). تصدقت عائشة رضي الله عنها ب180ألف درهم وهي صائمة فأفطرت على خبز وزيت قالت لها الجارية: أما استطعت فيما قسمت هذا اليوم أن تشتري لنا لحماً بدرهم؟ قالت: لا تعنفيني، لو ذكرتني لفعلت!! * صور الصدقة: إطعام الطعام: سواء بإشباع جائع أو إطعام أخ فلا يشترط في المطعَم الفقر، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم(إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها.. لمن أطعم الطعام.). 4 – تفطير الصائم: قال صلى الله عليه وسلم (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء) فلنحتسب تفطير الأهل والضيف والفقير. * س/هل أجر تفطير الصائم على أذان المغرب فقط؟ ج – فضل الله واسع. فلو أفطر في المسجد (تمر وماء) مثلاً ثم رجع وتعشى عندك، فهذا العشاء يُعد تفطير صائم. 5 – الذكر: قال صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الذاكر الله كثيراً ودعوة المظلوم والإمام المقسط). وقال صلى الله عليه وسلم (أفضل الذكر لا إله إلا الله). كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً لك راهباً، لك مطواعاً لك مخبتاً إليك أواهاً منيباً). قال الحسن: أحب عباد الله إلى الله أكثرهم له ذكراً، وأتقاهم قلباً. قيل لابن هاني: ما نرى لسانك يفتر كم تسبح كل يوم؟ قال: مائة ألف إلا أن تخطئ الأصابع. قال ابن القيم: أفضل الصوام أكثرهم ذكراً لله، وأفضل الحجاج أفضلهم ذكراً لله. 6 – الدعاء: قال صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة). الدعاء يغير الأحوال: الشقي يسعد، الحزين يفرح، المريض يشفى، الفقير يرزق، الضعيف يقوى، المظلوم ينصر.. قال ابن القيم: إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب، وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتاً من أوقات الإجابة، وصادف خشوعاً في القلب، وانكساراً بين يدي الرب، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء، ثم ثنى بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته، وقدم بين يدي دعائه صدقة فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً. * ما يقال عند الفطر: كان صلى الله عليه وسلم يقول بعد الإفطار: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) وثبت الأجر: يعني زال التعب وبقي الأجر. ويكون الفطر على رطب، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد فماء. * الدعاء عند الإفطار: س – قال صلى الله عليه وسلم (إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) ما هو المقصود بدعاء الصائم عند فطره، هل يقصد دعاء الصائم قبل الإفطار بلحظات، أم بعد الإفطار مباشرة؟ ج: الدعاء يكون قبل الإفطار وبعده؛ لأن كلمة: (عند) تشمل الحالتين (اللجنة الدائمة). 7 – العمرة: قال صلى الله عليه وسلم (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) أي: تماثلها في الثواب، فثواب العمل يزداد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وحضور النية. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه أمَر أم معقل – لما فاتها الحج معه – أن تعتمر في رمضان وأخبرها أنها تعدل حجة. وقفة: نرى بعض الوالدين لا يكترث أن يعتمر ابنه الصغير، بل ربما طاف وسعى برفقتهم وهو لم يعتمر! فالصغير يؤجر ولمن تسبب في عمرته…. فلا تحرموهم من الخير. قال ابن تيمية: تتفاضل درجات أطفال المؤمنين في الجنة بتفاضل آبائهم وتفاضل أعمالهم إن كانت لهم أعمال. فالصبي يثاب على صلاته، وصومه، وحجه، وغيره. 8 – الحرص على صلاة النوافل: صلاة الضحى – سنة الوضوء – بين كل أذانين صلاة.. 9 – صلاة التراويح: قال صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وقال صلى الله عليه وسلم: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمئة كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين). 10 – السحور: قال صلى الله عليه وسلم (السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين). السحور: حث عليه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله وأيده بفعله. والمراد بالبركة في السحور: قيل المراد بها: الأجر – اتباع السنة – التقوي على الطاعة والنشاط والانبساط – مخالفة أهل الكتاب – مدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والعطش – التسبب بالصدقة على من يسأل آنذاك، أو يجتمع معه على الأكل. وقفة: قال صلى الله عليه وسلم (نعم سحور المؤمن التمر) – في اجتماع التمر مع اللبن صحياً وعلمياً من الفوائد ما لا يخفى على أهل الطب والخبرة. * ما ينبغي على الصائم اجتنابه: 1 – اجتناب الغيبة والنميمة: قال صلى الله عليه وسلم (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم). قال الشيخ محمد بن عثيمين: هذه الأفعال لا تبطل الصوم، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة تضيّع أجر الصوم. 2 – سماع المعازف، قال صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم على أمتي الكوبة والقنين). 3 – النظر إلى القنوات الهدامة التي لا تألو جهداً في إفساد شباب المسلمين. * كلمة أخيرة: العمل بوصية جابر رضي الله عنه: (لا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء)، وبقول الإمام أحمد: (يا بني انوِ الخير؛ فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير). وختاماً: أسأل الله أن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يتقبله منا، وأن يتجاوز عن تقصيرنا، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلِّم على النبي الكريم..