الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: * أقبل على أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم خير الشهور؛ شهر الصيام والقيام والقرآن والصدقات؛ من أدركه بحياة جسده وحياة قلبه كان في عداد الفائزين، ومن أدركه بحياة جسده دون قلبه فهو في عداد الخاسرين. قال بعض السلف: "أعمال البر يفعلها البر والفاجر، ولا يقدر على ترك المعاصي إلا صديق". * من عظّمه وعمّره بالطاعات فذاك علامة على تقواه: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ). – فحريٌ بالمسلم إذا عرف ثواب الصيام وما ينبغي فعله في شهر الصيام أن يوفيه حقه، وأن يقدره حق قدره، وأن يستقبل شهره بالنية الصادقة في التوبة، والرغبة الجادة في التزود من الأعمال الصالحة، قال ابن رجب: من لم يعرف ثواب الأعمال شقت عليه في جميع الأحوال. * لذا – أخي القارئ – إليك شيئاً مما ورد في فضل رمضان، والأعمال الصالحة التي شُرعت فيه لشحذ همتك وتقوية عزيمتك. * فضله: – كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه، يقول: (جاءكم شهر رمضان؛ شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه؛ فيباهي بكم ملائكته، فأَروا الله من أنفسكم خيراً، فإنّ الشقي من حُرم فيه رحمة الله). – وقال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) يعني: إيماناً بالله، ورضاً بفرضية الصوم عليه، واحتساباً لثوابه وأجره، لم يكن كارهاً بفرضه، ولا شاكاً في ثوابه وأجره، فإنّ الله يغفر له ما تقدم من ذنبه. – وقد ورد أنّ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يقول: مرحباً بمطهِّرنا من الذنوب. – وقال صلى الله عليه وسلم: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة). – فيه ليلة عظيمة: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ ألْفِ شَهر) أي: خيرٌ من (83) سنة و(4) أشهر، قال المفسرون: عمل صالح في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة قدر. – قال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) قال الرازي: اعلم أنّ من أحياها فكأنما عبد الله نيفاً وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعماراً كثيرة. – وسميت بالقدر: لأنها تقدر فيها الآجال والأرزاق والأعمال. – ويكثر نزول الملائكة تلك الليلة، قال صلى الله عليه وسلم: (إنّ الملائكة تلك الليلة أكثر من الحصى). وقد قال سبحانه: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) والملائكة لا تنزل إلا بالخير والبركة. – قال ابن عثيمين: من علامات ليلة القدر: أنها ليلة هادئة، وأنّ المؤمن ينشرح صدره لها، ويطمئن قلبه، وينشط في فعل الخير، وأنّ الشمس في صباحها تطلع صافية ليس لها شعاع. * رمضان مزرعة الآخرة: إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ندمت على التفريط في زمن البذر – من فرط فيه فمتى يتوب؟ من فرط في أوقاته النفيسة نَدِم غداً، ولات حين مندم! * ما ينبغي فعله في هذا الشهر: 1 – الحرص على أداء الصلاة في وقتها وعدم إضاعتها بالنوم وغيره، لما سئل صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: (الصلاة في وقتها..) قال سلمان: الصلاة مكيال، فمن وفّى وفي له، ومن طفّف فقد علمتم ما قال الله عن المطففين. 2 – الإقبال على تلاوة القرآن: قال ابن رجب: كان السلف يختمون القرآن في سبع ليال، ومنهم من يختمه في ثلاث ليال، وقد ورد الحديث في النهي عن ختمه في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، أما في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، وفي الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان. – فقد كان للشافعي (60) ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وفي هذا العصر رأينا رجالاً ونساءً يختمون القرآن كل يوم ختمة، وبعضهم كل يومين. – قال الشيخ عبدالكريم الخضير: قراءة القرآن – كاملاً – أقل تقدير لها (6) ساعات يعني بالتجربة، ورأينا من يبكي وهو يقرأ بهذه السرعة؛ لأن المسألة مسألة مِرَان، لكن أقل من هذا مستحيل. [من محاضرة (قد أفلح من زكاها)]. – احرص – يا قارئ القرآن – على التدبر: قال ابن القيم: قراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب؛ فقراءة آية بتفكر خير من قراءة ختمة بغير تدبر وفهم. فتدَّبرِ القرآنَ إنْ رُمتَ الْهُدى فالعِلمُ تحتَ تدبُّرِ القرآنِ 3 – الصدقة: قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة صدقة في رمضان). 4 – تفطير الصائم: قال صلى الله عليه وسلم: (من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء) فلنحتسب تفطير الأهل والضيف والفقير. – س/ هل أجر تفطير الصائم ما كان عند أذان المغرب فقط؟ ج – فضل الله واسع. فلو أفطر أحدٌ في المسجد (تمر وماء) مثلاً ثم رجع وتعشى عندك، فهذا العشاء يُعد تفطير صائم. 5 – الذكر: وهو عبادة يسيرة ذات أجور عظيمة، لكنّ الموفق من وفقه الله، والمُعان من أعانه الله، فاطلب من الله الإعانة، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً). – قال الحسن: أحبّ عباد الله إلى الله أكثرهم له ذكراً، وأتقاهم قلباً. – قال ابن القيم: إنّ أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً لله؛ فأفضل الصوّام أكثرهم ذكراً لله، وأفضل الحجاج أكثرهم ذكراً لله، وهكذا سائر الأعمال.. 6 – الدعاء: ألحّ – أيها الصائم – في طلب حاجتك من ربك، فمن أكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له. – صفة الدعاء المستجاب: قال ابن القيم: إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب، وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتاً من أوقات الإجابة، وصادف خشوعاً في القلب، وانكساراً بين يدي الرب، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثمّ قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثمّ دخل على الله وألحّ عليه في المسألة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته، وقدّم بين يدي دعائه صدقة فإنّ هذا الدعاء لا يكاد يُرد أبداً. – ما يقال عند الفطر: كان صلى الله عليه وسلم يقول بعد الإفطار: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) وثبت الأجر: يعني زال التعب وبقي الأجر. – ويستحب الفطر على رطب، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد فماء. – الدعاء عند الإفطار: س: في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ للصائم عند فطره دعوة لا ترد) ما المقصود بدعاء الصائم عند فطره؛ هل هو دعاء الصائم قبل الإفطار بلحظات، أم بعد الإفطار مباشرة؟ ج: الدعاء يكون قبل الإفطار وبعده؛ لأنّ كلمة: (عند) تشمل الحالتين (اللجنة الدائمة للإفتاء). 7 – العمرة: قال صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) أي: تماثلها في الثواب، فثواب العمل يزداد بزيادة شرف الوقت، كما يزيد بحضور القلب وحضور النية. – وقفة مهمة: نرى بعض الوالدين لا يكترث أن يعتمر ابنه الصغير المرافق له، بل ربما طاف وسعى برفقتهم وهو لم يعتمر! فالصغير يؤجر، وكذا يؤجر مَن تسبب في عمرته، فلا تحرموا صغاركم من الأجور، خاصة مع توفر (العربات). 8 – الحرص على صلاة النوافل: السنن الرواتب، صلاة الضحى، سنة الوضوء، بين كل أذانين صلاة.. 9 – صلاة التراويح: قال صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة كتب من القانتين). – والمرأة إن صلّت في المسجد فلا بأس، ولكن بشرط الستر والحشمة، وإن صلّت في بيتها فهو أفضل لها. 10 – السحور: قال صلى الله عليه وسلم: (السحور بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإنّ الله وملائكته يصلون على المتسحرين). – السحور: حثّ عليه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: وأيده بفعله. – البركة في السحور: قيل البركة: المراد بها الأجر، اتباع السنة، التقوي على الطاعة، والنشاط والانبساط، مخالفة أهل الكتاب، مدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والعطش.. – وقفة: قال صلى الله عليه وسلم: (نعم سحور المؤمن التمر) في اجتماع التمر مع اللبن صحياً وعلمياً من الفوائد ما لا يخفى على أهل الطب والخبرة. * من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها: – إضاعة الأوقات عند قتالات الأوقات: القنوات الفضائية الهدامة، التي تفسد الدين والأخلاق، ولك – يا من ابتليت بها – في القنوات المحافظة غُنية عنها، وتذكّر أنّ من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه. – اجتناب الغيبة والنميمة: قال الشيخ محمد بن عثيمين: (وهذه الأفعال لا تبطل الصوم، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة تضيّع أجر الصوم). * أخيراً: أيها الصائم، اجتهد في عمل الطاعات في هذا الشهر، وإن رأيت تقاعساً وتكاسلاً من نفسك؛ فقل: يا نفس! لعل هذا آخر صوم لك، فليكن صيام مودع. أسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياك ممن يُقال لهم غداً: (كُلُوا وَاشْربُوا هَنيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَّيَامِ الخَالِيَة). هذا، وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّم.