بقلم | فاطمة الخضير يعتبر التواصل الإيجابي مع الآخرين مفتاح النجاح في المعاملات المختلفة، فالجميع يمتلك الحاجة إلى التواصل وبناء العلاقات الاجتماعية التي تجعل الحياة أكثر سعادة، وقد حرص على تعلم فن التواصل والتأدب وفن التعامل مع الآخرين أكثر الناس ولعل من أبرزهم الملوك والأمراء لحاجتهم لتعلم هذا الفن ليسهل عليهم التواصل مع غيرهم من ملوك ورؤساء دول، ويخدمهم في المناسبات والمحافل. ولعلي أذكر قصة أحد الملوك القدامى الذي حرص على تعليم اثنين من أبنائه فأرسلهما مع أحد مستشاريه لتعلم الآداب العامة وفنون التعامل مع الناس، وبعد أن صحب المستشار ابني الملك شهرين وهو يعلمهما من آداب الضيافة والمائدة طلب منهما أن يتركاه ويذهبا إلى أقرب قرية إليهما ويطرقا باب أي منزل يريدانه بصفتهما ضيفين. عمل ابني الملك بما قاله المستشار وكانا ضيفين لدى صاحب مسكن في طرف القرية، حيث قدم لهما ما لديه لضيافتهما وباتا عنده حتى بزوغ الفجر، بعد ذلك قدم ابني الملك إلى المستشار فسألهما ماذا وجدتما لدى من استضافكما من آداب تعامل بها معكما؟ قال الابن الأول: لقد استقبلنا وثيابه متسخة وهو يحمل الحطب في يده، وأطفاله انطلقوا نحونا يتحدثون معنا وكأنما لم يروا أناسا قبلنا، وعندما وضع لنا الطعام وضع ثلاثة أنواع منه، إلا أنه جاء ببعضه منقوص من الأطراف، وأوانيه لا تناسق بينها، بعضها مكسور من أطرافه، وجعل أطفاله يتحدثون إلينا دون أن ينكر ذلك وهو يضحك لحديثهم معنا، وعندما جاء وقت النوم جاء لنا بأغطية وفرش من رائحتها يتبين بأنه وأطفاله ناموا عليها. إنني أرى أن أهل القرى يحتاجون لتعلم آداب الضيافة، فما فعله استهانة بضيوفه. نظر المستشار إلى الابن الثاني وسأله: وأنت، ماذا رأيت؟ قال الابن الثاني : من شدة فرح الرجل بنا استقبلنا وثيابه متسخة وهو يحمل الحطب في يده، فلم يذهب لتبديل ملابسه حتى لا يتأخر علينا عند الباب، وقد أنطلق أطفاله نحونا يقبلون رؤوسنا ويتحدثون إلينا وكأنما نحن عائلة واحدة، وعندما وضع لنا الطعام وضع ثلاثة أنواع منه، ومن الواضح أنه كل الطعام الذي لديه تلك الليلة في منزله، وكأنه أخذه لأجلنا من أمام أهله وهم يأكلون لأن بعضه منقوص من الأطراف، وقدمه لنا في أوان لا تناسق بينها وكأننا من أهل بيته أو أقرب أقاربه، ويتبين من الكسور التي في أطرافها بأنها تغسل دائما، وجعل أطفاله يتحدثون إلينا بأحاديث جميلة أضحكتنا وجعلتنا نحس بأننا نتسامر مع أهلنا، وعندما جاء وقت النوم جاء لنا بأغطية وفرش يتبين بأنها كل ما يملكه له ولأطفاله، إنني أرى أن الرجل من كرمه وحسن أدبه جعلنا نحس ونحن عنده بأننا بين أهلنا، وأرى أننا يجب أن نتعلم آداب الضيافة من أهل القرى، فما فعله الرجل غاية في الاحترام لم نحس معه بأننا غرباء. نظر المستشار إلى الابن الأول قائلا: إنك لم تتعلم! ثم نظر للثاني قائلا: أما أنت فقد أيقنت أن الآداب ليست أن يتأدب الناس معك في ما يقدمونه وما يفعلونه لضيافتك، إنما كيف تتأدب أنت في فهمك للناس، وانتقالك من الانتباه للأواني وما تحويه إلى الانتباه للأنفس وما تحمله أو تبديه. الأدب هو “أدب النفوس وليس في أشكال الموائد”. الأدب ليس أن يتأدب الناس معك في ما يقدمونه وما يفعلونه لضيافتك، إنما كيف تتأدب أنت في فهمك للناس. إذا أردت أن تكسب قلوب الآخرين فعليك بأربع: بطيب الكلام، وجميل الاهتمام، وصدق الالتزام. وحسن المعاملة. فإن عملت بهذه الأربع الخصال تملكت قلوبهم. وقد صدق شاعر الحكمة أبو الفتح علي البستي في نونيته حينما قال : أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان