السعودية باختصار    ولاء بالمحبة والإيلاف!    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    أمير منطقة القصيم يعزي أسرة الزويد.. ويوجه بتسمية قاعة بالغرفة التجارية باسمه    السعودية نجم «دافوس»    اتفاقيات التعاون.. والتكاذب المؤسّسي    أسعار العقار بيننا وبين الصين!    القطيف تعزز الاقتصاد الزراعي ب«سوق المزارعين»    اليوم.. تدشين منتدى مستقبل العقار    السعودية وسورية: الرهان على الشعب السوري!    «البرلمان العربي»: محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة انتهاك صارخ للشرعية الدولية    الأردن تدين استهداف المستشفى السعودي بمدينة الفاشر السودانية    "سلمان للإغاثة" يواصل تقديم المساعدات الإغاثية في بلدة جباليا شمال قطاع غزة    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    استئناف إصدار تأشيرات الدخول للسودانيين عبر سفارة المملكة في بورتسودان    "عصر ذهبي" لأميركا و"تطهير" سكاني لغزّة!    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    صدارة هلالية اتحادية    طلال بن محفوظ - جدة    الأهلي يتخم شباك الرياض.. النصر يجتاز الفتح    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    المشكلة المستعصية في المطار !    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    وجناح «هيئة الأدب» يجذب الزوار    عمل بعيد المدى لوزارة الشؤون الإسلامية    الدراسة عن بعد بمدارس وجامعة القصيم.. غداً    محافظ الخرج يستقبل الرشيدي    أمير الرياض يحضر الحفل السنوي الكبير على كأس المؤسس وكأسي خادم الحرمين الشريفين للخيل    «حرس الحدود» بمكة يحبط تهريب 3 كيلوغرامات من الحشيش    المديرية العامة للسجون تدشن "مراكز تنمية قدرات النزلاء"    اليوم السلام ضرورة وليس خيارا    بموطن الشعر والشعراء.. الصقور تعيد الحياة لسوق عكاظ    انطلاق المنتدى الأول لجمعيات محافظات وقرى مكة المكرمة .. بعد غداً    خادم الحرمين يهنئ الحاكم العام لكومنولث أستراليا بذكرى يوم أستراليا    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يوقعان اتفاقية إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    مستشفى دله النخيل بالرياض يفوز بجائزة أفضل خدمات طوارئ في المملكة 2024    "الفقيه" يدشن فعاليات معرض "سابك الفني 2025" بمشاركة أكثر من 52 دولة و400 مشارك    "التجارة": نمو السجلات التجارية في قطاع التعليم 22% خلال العام 2024    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    المرور : استخدام "الجوال" يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في القريات    تجمع الرياض الصحي الأول: نحو رعاية وأثر في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    الدولة المدنية قبيلة واحدة    جامعة طيبة تُعلن بدء التقديم على وظائف برنامج الزمالة ما بعد الدكتوراه    وفد من مؤسسي اللجنة الوطنية لشباب الأعمال السابقين يزور البكيرية    الموارد البشرية تصدر عددًا من قرارات التوطين ل 269 مهنة في القطاع الخاص    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحب السمو الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    آل الشيخ من تايلند يدعو العلماء إلى مواجهة الانحراف الفكري والعقدي    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    تدشن بوابة طلبات سفر الإفطار الرمضانية داخل المسجد الحرام    دراسة: تناول الكثير من اللحوم الحمراء قد يسبب الخرف وتدهور الصحة العقلية    المالكي يهنئ أمير منطقة الباحة بالتمديد له أميرًا للمنطقة    ترحيل 10948 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    «ليلة صادق الشاعر» تجمع عمالقة الفن في «موسم الرياض»    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة جاهزيتها لمواجهة الحالة المطرية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني    إنجازات تكنولوجية.. استعادة النطق والبصر    الهروب إلى الأمام والرفاهية العقلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حطَاب!.. في القرن الحادي والعشرين
نشر في عناية يوم 12 - 04 - 2010

"اسمه "عبد الرزاق" هذا كل ما نعرفه .. جاء بالأمس إلى الطوارئ.. يشتكي ألما لم يستطع حتى تحديد مكانه.. ولم يكن يقدر على السير.. ومنذ الأمس لم يستطع أحد أن يفهم منه كلمة!"
هكذا قال بارتباك طبيب الامتياز وهو يبرر موقفه أمام مدربه .. إذ لم يستطع أن يعرف حتى الآن مم يشتكي المريض..
.. نظرت إلى عبد الرزاق حينها.. فوجدت رجلا أقل ما يقال فيه أنه جد مسكين.. عيناه تدوران خوفا وألما وترقبا.. وهو ينظر إلينا وكأنما نحن أشباح من عالم آخر.. وجدته محتاجا لأن يحدثه أحد فانتظرت حتى رحل فوج الأطباء عنه واستئذنت طبيب الامتياز في أن أحاول أخذ التاريخ الطبي منه وإن كنت لا أزال طالبة متدربه.. وبالطبع وافق على الفور على تلك الخدمة ولكنه قال بتشاؤم.." لن تخرجي منه بشيء .. لقد حاولت.. "
وجلست إلى جواره على الفراش وبدأ الحديث.. كان الرجل لا يحسن الكلام.. ويبلع الأحرف.. ويتباكى وسط كل جملة وترتعش شفتاه من شدة الخوف ..فكانت محاولة فهمه جد مرهقه..هذا بالإضافة إلى سمعه الضعيف الذي اضطرني للصراخ:
- مم تشتكي يا عم؟
- انا.. مريض ..مريض.. تعبان
- نعم نعم.. لكن ما الذي تعبك
- تعبان.. مريض
- ما المرض
- انتم تعرفون!!
- ما الذي يؤلمك؟..
- كلي!!
- أليس لك أهل ياعم.. ممكن أن نكلمهم..
- كلهم ماتوا (وأخذ يبكي)..
- ألم يبقى منهم أحد.. أي أحد
- كلهم ماتوا..
- مع من تعيش إذا؟؟
وهنا بقينا حوالي نصف ساعة.. حتى فهمت أنه يعمل حطابا!! (تخيل حطابا في القرن الحادي والعشرين) ..ويعيش في قرية لم أسمع بها من قبل مع بعض العمال..
بدا لي وكأنما سرقه الزمن.. وسابقه فسبقه.. وكأنما يجلس المسكين الآن لأول مرة ليدرك أنه قد هرم.. ولا أهل لديه.. ولا عمل.. ولا أصحاب.. و أنه ملقى وحيدا في مستشفى ليس له فيه إلا الله..
بدى لي كطفل ضاع من أمه في الزحام فصار يرى كل من حوله أشباحا.. أو كهندي أحمر لا يعرف إلا الرقص على النار وصيد الغزلان.. فوجد نفسه فجأة في مدينة ذات ضجيج وصخب وأضواء..
وأخذ العجوز يشكي.. بأفكار مفككه وعبارات مقطعه.. يشكي ألمه.. ويشكي العطش.. ويشكي الحرقة التي تسببها له الحفاضه (إذ لم يكن يقدر على الذهاب لقضاء الحاجة) ..ويشكي صاحبه الذي جاء به إلى المستشفى (فهو لا يملك سياره ولا يعرف القياده) ثم تركه ووعده أن يأتيه مرة أخى ولم يأت..
ومن شكواه المففكة تلك . خرجت بشيء واحد.. ما أبشع هذه الدنيا!
وخلال الكلام. . سألته عددا من الأسئلة الطبية الأساسية .. وكي أستزيد، سألته أن يعود بذاكرته إلى الوراء ..لآخر مرة خرج فيها للعمل سعيدا معافى.. ثم يحكي لي .. كيف بدأت صحته تتدهور..
وما أن ذكرت له خروجه للعمل سليما لجمع الحطب؟؟ حتى بكى بكاء مريرا.. لم يبك مثله حتى حين أخبرني بموت كل عائلته.. بكى وبكى وهو يتمتم.. كنت بخير.. كنت سعيدا.. كنت.. ولم أملك إلا أن أمد يدي إلى كتفه أربت عليه وأنا أمنع دمعا احتبس في عيني من أن يسيل..
كنت أقول له.. ياعم .. ربك موجود.. لا تخف .. الله معك.. وأنا أعلم أنه يدرك ذلك خيرا مني بكثير.. ولاولا ذلك لما صبر إلى الآن ولمات هما منذ زمن..
وفي تلك اللحظة دخل طبيبه الشاب .. وقال بتهكم.. خرجت بشيء منه؟؟..
شعرت لأول مرة أني أرى بعيني هتلرا آخر..
كان ينظر للرجل بقرف.. ويندب حظه أن يكون مريض كهذا من حظه هو ..(إذ كان عبد الرزاق أول مريض توكل مسؤوليته له بعد تخرجه مباشرة)..
كان يكلمه من برج عال وكأنما يقول له.. لا أريدك أن تفهم سؤالي لأنك أغبى من أن تجيب.. كان كل ما يحاول الوصول إليه هو شخص من أقاربه أو معارفه.. ليستوضح منه.. فاقترحت أن ننظرفي ثيابه التي جاء بها إلى المستشفى لعلنا نجد رقم أحد الأصدقاء.. إذ أن عبد الرزاق لا يعرف أي رقم بل لعله لا يعرف ما هو الهاتف أصلا..وفتحت درجه بعد استئذانه وأخرجت كيس ثيابه..كانت فيه شبه عمامه متسخه.. كاللتي يربطها العمال على رؤوسهم .. وثوب كان أبيضا ثم صار الآن مزيجا من الرمادي والبني.. عليه بقع دم .. وبقع أخرى..
وعندما رآني طبيبه أفتش.. استحى أن تفتش فتاة أغراض رجل وهو واقف يتفرج.. فقال لي.. أنا سأكمل..
وبينما كان يفتش بأطراف أصابعه.. كان يتمتم بقرف.. من أين جاءوا بهذا الرجل!! من أي مصيبة جاء..
.. ولم يجد شيئا.. وذهبنا بعد أن طمئنت عبد الرزاق إلى انه سيكون أفضل.. ولا أدري إن كان فهم ما قلته أم لا..
وبقي الرجل في المستشفى أياما وحالته تزداد سوءا.. توقف عن التباكي والتأوه.. وصار يومئ فحسب.. بوجه علاه الفزع والحسن وأرهقه طول الألم.. ولأنه وحيد غريب.. ولا يوجد من يدافع عنه.. فقد كان الكل يتلكأ.. قسطرة بوله امتلأت صديدا .. قبل أن تنتبه الممرضات.. والفحوصات التي تأخذ يومين على الأكثر كانت تأخذ أكثر من أسبوع لتصل.. وبعد مدة طالت اكتشفوا أنه مصاب بسرطان الدم.. وبعدها بدلا من أن يبدأ العلاج فورا.. أخذ أطباء ذلك القسم يلقون بلائمة على أطباء قسم الدم.. الذي كان يجب أن يحول عبد الرزاق إليهم.. وفي قسم الدم يتحججون بعدم وجود أسرة شاغرة.. وهكذا.. ضاع عبد الرزاق.. في عالم لا مكان فيه للضعفاء.
*معيدة في قسم الطب النفسي بجامعة الملك عبدالعزيز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.