أسند ظهره إلى حائط طيني قديم وثنى يديه إلى الخلف لمساعدة جسمه كأنه يمنع الحائط من السقوط إحساسا منه بالمسئولية الذاتية ثم سلهم في الفضاء الرحب " بعد أن أخذ نفسا عميقا وبدأ يخرجه بتوأدة " سلهامة متأمل متألم ثم أطلق نظرة مهموم مكلوم في كل اتجاه مع آهة عاجز وجل، قلة حيلته ووهن عزمه ، كانت نظرته و آهته بحجم كونه ومكانه ، كأنهما قد ضاقا به رغم كبر المكان واتساع الكون .. كانت عليه الدقائق أشبه بسنين من الدهر.. وفجأة أطلق ضحكة تلقائية مجنونة مع إيماءة بالرأس ووضع كفيه على بعضهما بقوة وبصفقة واحدة وكأنه يتحسر على أمر ما ، زاد عليها بتشابك أصابعه العشر..فكانت ضحكته بمثابة عودة روحه لجسده وأطباق كفيه بقوة كأنه يمسكها ، ضم يديه بتشابكهما نحو صدره و هو يقول: يتكوّن ويتكيّف عقل الإنسان بحسب بيئة جسده ثم يتدخل المناخ الذي هو فيه ذلك الجسد لينمو العقل إما سلبا أو إيجابا ، ومن هذا المناخ تتكوّن كيميائية الجسد التي يأخذ منها العقل حالته ..سكت برهة كأنه يتصفح بعض ما في الذاكرة وهو ينظر لأصابعه وقد تداخلت والتحم بعضها ببعض ثم فك تشابكهم أو اشتباكهم بهدوء و هو يقول: للعقل عوالم كثيرة ..أما القلب فإن له عالم واحد فقط ، إذا وجده فكأنما في الوجود قد حيز له ، لكنه عالم خاص جدا إذا فقد ذاته وملذاته "بوصلته" فإنه يصبح مثل ريشة في مهب ريح عاصفة في ليل شتوي حالك الظلمة ليس لك منه إلا ما قد سلف .. ويتحول الإنسان هنا لمجرد جسد منتن ، ثم أخذ يمشي وقد شبك بين يديه من خلف ظهره وهو يقول :ان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب .. منّ الله عليه ببسطة في العقل لدرجة الحسد وضئآلة في الجسم لحد الشفقة عليه فقرر امتهان و إهانة الجهل المركب و الأمية المتوارثة و تسخيرهما بمشقة لخدمة جسمه الضئيل وعقله الكبير بدون رأفة وبلا رحمة لمواجهة قاصر نظر لا يرى الإنسان الأمن خلال الجسد المكتنز المترهل غباءً أومن خلال الأوراق الملونة التي تدير الإنسان في فلكها البغيض و لا يديرها في فلكه الإنساني النقي . أضحك كثيرا تعجبا حتى أبلغ مرحلة القهقهة سخرية مني ومن الذين يدعون المسئولية الاجتماعية العامة وهم مشروع أسئلة مقززة في الحياة والكتابة ويرسمون بأقلامهم حروفا متنافرة وأفكارا مبعثرة وكلمات متقاطعة يسمونها زورا مقالات نقدية وهي أقرب للسخافات اللفظية الفردية منها للمقالات ويدعون فيها معالجة قضايا الوطن والتنمية ومستقبل الأمة فيما أن غيرهم من الجديرين قد بحت أصواتهم الصادقة وخطت أقلامهم النيرة أفكارا أكثر صدقا فما أثارت إهتماما و ما لفتت انتباها لأن للقرارات عالما سريا مخفيا يأتي من علا وما الجميع فيما يكتبون إلا كمن يريد فقط أن يسجل موقفا و ما درى أن ذلك الموقف المزعوم مجرد خطوط باهته على الرمال الزاحفة لا يبقى لها أثرا بفعل الريح الهوجاء التي تحرك الرمال في كل اتجاه فمن يشخص الحالة .. معنى : للعظماء قيمة وقمة لا يبلغها اللؤماء حتى لو تزلفوا أو تسلقوا. أ.محمد بن علي آل كدم القحطاني