يا وزارة التربية والتعليم ...... هل من عمل جاد على أرض واقع حقيقي نتلمس ثماره ؟؟ تأملوا معي هذا الخبر الذي جاء على لسان متحدثها الرسمي خلال الأيام الماضية يقول الخبر : " وزارة التربية والتعليم تعلق الجرس إزاء دعوات أجنبية وصفتها ب"المشبوهة" تستهدف طلاب التعليم العام بين الفترة والأخرى تحت غطاء الاطلاع على تجارب نظرائهم في الدول الأخرى، محذرة من الاستجابة لمثل تلك الدعوات التي تهدف بشكل عام إلى التغرير بالشباب عبر التأثير المباشر على هذه الشريحة لتحقيق أهداف تتعارض مع "أنظمة الدولة " وطالبت الوزارة في تعميم وجهته إلى مديري المدارس بضرورة إخضاع كل ما يرد إلى الطلاب من دعوات للمراقبة، وتوجيههم بعدم المشاركة في مثل تلك اللقاءات حماية لأمنهم الفكري من أية اختراقات محتملة " انتهى الخبر . دعونا الآن نفصّل مضامينه ومحاوره سنجد أنه يرتكز على التنبيه من " دعوات خارجية ومشبوهة " وأن " المستهدفون بها هم طلابنا وطالباتنا " وأن هدف هذه الدعوات هو التغرير بهم وتضليلهم والمساس بفكرهم وقيمهم . وهذا – بالفعل – تنبيه مهم وجانب بالغ الخطورة , ولكن عندما نتأمل المحور الآخر الذي يمثل الحلول والخطوات الإجرائية التي أوردتها الوزارة لمواجهة هذه الدعوات والتصدي لهذا الخطر الكبير الذي يستهدف أبناء هذا الوطن الذين هم أغلى ثرواته , سنجد أنها قد وردت مختصرة باهتة في ختام ذلك الخبر ومختزلة في تعميم أصدرته الوزارة على مديري المدارس بأن على كل مدير مدرسة ضرورة مراقبة ما يرد للطلاب من مشاركات ونحوها قد تحمل هذه الدعوات !! حينها تبادر إلى ذهني مباشرة قول الشاعر : " يا مكثرة الحكي والفعايل عوج غوج " . وتوقفت دهشة وذهولا وأنا أجد الأمر بخطورته من " دعوات أجنبية مشبوهة " و " تعارض مع أنظمة الدولة " ثم في آخر الأمر وبكل بساطة يترك الأمر لمدير المدرسة لمراقبته ! هل يعقل بهذه البساطة والسهولة تنتهي جهود وزارة بأكملها ؟ وهل هذا الحد الكافي والدور المطلوب من وزارة اسمها وزارة " التربية " و " التعليم " لحماية وتحصين فكر وقيم أبناء وبنات الوطن وعماد مستقبله ؟! وهل سنجد لدى المتحدث باسمها إجابات مقنعة ومنطقية لأسئلة تأتي على لسان الحال لكل متطلع ومهتم وغيور على وطنه وأبناء وطنه ومستقبل أمته . - هل تدرك وزارتنا الموقرة – بمسؤوليها ومخططيها - حجم المشكلة التي تتحدث عن وجود تأثير خارجي مشبوه يستهدف عقول الطلاب وفكرهم ؟ وهل تقدر الخطورة البالغة لهذا الأمر ؟ - هل هو مقنع أن يكون الحل لمواجهة هذا الفكر الخارجي المشبوه بكبر تأثيره وتنوع أدواته وخطورته هو بمجرد مراقبة من قبل مدير المدرسة ؟ وهل يوجد هنا تناسب منطقي لحجم ودقة هذه المراقبة من مدير المدرسة ومعه شخص أو اثنين من المعنيين داخل المدرسة أمام الأعداد الكبيرة من الطلاب؟ - ثم هل تشعر وزارتنا العزيزة بحجم الأعباء والمهام المتزايدة على عاتق مدير المدرسة والتي قد تحول دون بذل ما يراد منه في مراقبة فكر كل طالب في محيط مدرسته ونوعية مشاركاتهم سواء داخل المدرسة وخارجها ؟ أم نتصور أن هذا المدير هو " سوبر مان " زمانه ؟ - وماذا لو أغفل هذا المدير أو تهاون ووصلت هذه الدعوات المشبوهة إلى الطلاب والطالبات وأثرت بهم – لا قدر الله - فمن المحاسب حينئذ مدير المدرسة المغلوب على أمره أم الوزارة بأكملها ؟ وهل للمحاسبة جدوى بعد خراب مالطا ؟ - والسؤال المهم والكبير هو أين جهود الوزارة وأين هي برامجها التربوية المخطط لها والتي يفترض أنها تنفذ وتتابع بشكل مستمر وفاعل في جميع المدارس بهدف تثقيف طلابها وطالباتها في مختلف مراحلهم الدراسية والمساهمة في توعيتهم وبناء شخصياتهم المتزنة وفي بلورة فكر سليم طموح متطلع ؟ فإذا كان هذا هو المفترض فإننا على أرض الواقع لم نجد شيء من هذا العمل المأمول والمفترض سوى برامج قليلة جدا وغير مستمرة وغير فاعلة ولا تتناسب مع ما نجده عبر صفحات الصحف وفلاشات القنوات الفضائية من كثرة للتصريحات الرنانة والعبارات المنمقة من بعض مسؤولي الوزارة ومتحدثها الرسمي وما أكثر ما سمعنا منهم إلى حد الملل من التغني بالخطط الاستراتيجية وبعمليات التطوير واكتمال الاستعدادات والتجهيزات ! وعودة أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة وسط استعدادات متكاملة وتجهيزات عالية .. إلخ ... وكلها - بكل صراحة – وجدناها مجرد " كثر حكي " أما على أرض الواقع " فالفعايل عوج غوج " . إن على وزارتنا الموقرة – بكافة مسؤوليها – أن يدركوا بأننا اليوم نعيش واقعا معاصرا نشهد فيه انفتاحا معلوماتيا وإعلاميا وثقافيا متنوعا وتسارعا مذهلا في تطور أدواته ومتطلباته التقنية وهذا يجعل الحاجة متزايدة لأن يكون العمل التربوي والتعليمي أكثر وعيا ومسؤولية في التعامل معها خاصة من قبل فئة النشء والشباب فنحن اليوم نجد شبكات الانترنت غنية بكم مهول من المؤثرات والمصادر والخدمات التي نتفاعل معها بشكل مستمر ومتزايد كالصحافة الإلكترونية وشبكات للتواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر وكذلك مواقع اليوتيوب وغيرها الكثير والكثير بما فيها من الهادف والنافع وبما فيها أيضا مما هو ضار وغير هادف وهذه بذاتها مشكلة , إلا أن المشكلة الأكبر التي تحتاج الوعي والحذر والعناية هي كيفية التمييز بين تلك الأضداد والفصل بين نافعها وضارها ونحن نجدها قد اجتمعت في جهاز صغير جعل من السهل جدا التعامل معها وذلك من خلال الأجهزة الذكية التي انتشرت وكثر تداولها بين كافة شرائح المجتمع وأجناسهم ومختلف أعمارهم حتى بين الأطفال والمراهقين الذي أظهروا اهتماما بها واستطاعوا التعامل معها بسهولة بدءا من الأطفال ما دون سن الدراسة إضافة إلى أنها تبقى بين أيديهم في جميع أوقاتهم وفي كل تنقلاتهم داخل المنزل أو خارجه . فيكيف يمكن أن نكتفي بالمراقبة وهي بمثابة الحل الضعيف الذي سرعان ما يزول ويتلاشى ويبقى أثره محدود جدا لا يكاد يذكر . لقد سهلت هذه الأجهزة الذكية والهواتف المحمولة من عملية الوصول إلى تفاصيل حياة الفرد بمختلف مراحله العمرية وجعلت القدرة على التأثير على الفكر والقيم والمبادئ والأخلاق أمرا ممكنا وهو ما يجب إدراكه والتنبه إليه ومواجهته بما هو أبعد من الاكتفاء بالمراقبة والمتابعة . فماهي الخطوات التي قامت بها وزارة التربية والتعليم لمواكبة هذه التغيرات ومواجهة تلك التحديات التي تؤثر بدرجة عالية في بناء شخصية الطالب والطالبة منذ مرحلة مبكرة من مراحلهم العمرية وتساهم في تكوين اتجاهاتهم وقيمهم وفكرهم بما يمكنهم من مواجهة هذه الدعوات والمؤثرات المظللة ؟ صحيح أن وزارة التربية والتعليم ليست الجهة الوحيدة المعنية بهذا الأمر بل لا بد من مشاركتها من قبل الكثير من القطاعات والجهات الحكومية وغير الحكومية ولكنها تعتبر الراعي الأول والمنطلق لكل عمل يستهدف هذه الفئة الكبيرة والمهمة التي يعول عليها الوطن كثيرا في تنميته وازدهار مستقبله . إن عمليات التطوير والخطط الاستراتيجية التي نسمع عنها كثيرا في أروقة وزارة التربية والتعليم لم نر منها على أرض الواقع سوى بعض التطبيقات والمنتجات التطويرية في المناهج والمقررات الدراسية مع ما يعتريها من بعض جوانب القصور وما عدا ذلك لم نلامس أي أثر إيجابي لأي عمل توعوي وتثقيفي ممنهج ومنظم ومدروس يساهم في بناء مهارات وقيم واتجاهات الطالب بشكل تزايدي ومستمر . إن الأوضاع العالمية المتأزمة والصراعات المتنوعة تجعلنا نفكر في مصلحة هذا الوطن المبارك ونضعها أولوية فوق كل الاعتبارات الشخصية فالمشهد العام يدل بوضوح شديد على أن الجهود المبذولة في مدارسنا ما زالت دون مستوى الطموح ولا ترضي كل من يتطلع إلى مستقبل أبنائه وبناته وبنائهم الصحيح تعليميا وتربويا . عوض بن علي الوهابي – سراة عبيدة