تظل آلية تنظيف المدارس الحكومية في المملكة تحمل في طياتها الكثير من المشاكل التي تمنح المتابع لهذا الملف الكثير من القلق على خلفية ما تحتويه من خطر يواجه منسوبي تلك المدارس، فمن قضية تحرش لطالب من قبل أحد عمال النظافة إلى ضبط آخر يروج الأقراص الإباحية لطلبة في المرحلة المتوسطة مقابل مزيد من الخوف والهلع الذي يتوجسه أولياء الأمور من بقاء الحال بهذه الطريقة السائبة بعيدا عن أي حلول مباشرة وصريحة تعالج الخلل والقصور الحالي، وهنا نلقي في تقريرنا الضوء على ما يكشف جوانب من ذلك الخطر على أبنائنا الطلاب. لعلنا نبدأ بجولة على المدارس في المملكة من مختلف المناطق، مثلا المنطقة الشرقية تكون الطريقة المتبعة فيها لتنظيف المدارس بحسب الجهة المشرفة لأن هناك مدارس تتبع لإدارة شركة أرامكو السعودية فيما تتبع البقية لإدارة التربية والتعليم بالشرقية، وبالنسبة لما يحدث في مدارس أرامكو فإن الوضع مطمئن حيث يتصدى للنظافة شركة متخصصة متعاقدة مع أرامكو تكون مسؤولة عن مستوى الخدمة ونوعية العمالة وغيرها، إلا أن المشكلة تبدأ عند الوصول إلى المدارس الأخرى كون إدارة المنطقة تفضل منح إدارات المدارس مبالغ مالية لتنظيف المدارس كل حسب طريقته في أمر يفتح الباب على مصراعيه لحدوث تباين في الخدمة المقدمة والعمالة المستأجرة والمخالفات النظامية التي ترتكب بسبب ذلك. "أنا أعمل هنا بشكل متقطع، ومع عمال مختلفين في كل مرة، يطلب منا تنظيف المدرسة يوميا، فيما يكون يوم الخميس مخصصا لغسلها، أتقاضى 500 ريال شهريا مقابل ذلك، كفيلي يسمح لي بالعمل حرا" ذلك كان ما يقوله أرشد حسين، العامل البنجالي الذي وجدناه منهمكا بعمله في زاوية إحدى المدارس حيث يعمل في تنظيف المدرسة مع عدد آخر من بني جلدته، ومثل أرشد هناك الكثير من العمالة التي تعمل بشكل غير نظامي مع مؤسسات نظامية مثل المدارس. بعدها يرد أرشد على اتهامات الآخرين بتدني مستوى النظافة في المدارس قائلا بلهجة واثقة: ماذا يتوقع الجميع منا، إنها فقط 500 ريال في الشهر، عليهم أن يذهبوا إلى الشركات المتخصصة ويعرفوا كم سيكلفهم الأمر هناك، فليفعلوها إن استطاعوا، لدي علاقات وثيقة مع مديري مدارس بحكم تمرسي في هذا المجال، وأعلم أنهم لا يفضلون الاستغناء عنا. "لا أرتاح لهم، وجودهم لا يجعلني سعيدا بهم، أعلم أنهم يعملون بشكل عشوائي هنا وهذا ما يقلقني، لدي ولد في هذه المدرسة الابتدائية ومن الضروري توفير بيئة آمنة له فيها هو وبقية الطلاب، هل تستطيع إدارة المدرسة توفير ذلك في وجود هذه العمالة وبشكل يومي، أشك في ذلك" هذا ما يقوله أحمد الغامدي ولي أمر وهو يشير إلى العمالة الآسيوية التي تنظف مدرسة ابنه، ويضيف: يمكن لوزارة التربية والتعليم وضع تصور آخر لمعالجة مسألة التنظيف، خذ أرامكو مثالا، يأتون بشركة متخصصة تتولى كل شؤون التنظيف باحترافية ولا يتركون شيئا للصدفة، لا أعتقد أن الأمور المادية تمثل مشكلة لوزارة التربية، لماذا لا يولون الأمر أهمية أكبر بدلا من الوضع الحالي، لا يستطيع الجميع تحويل أبنائهم إلى مدارس تشرف عليها شركة أرامكو السعودية. سلوكيات مزعجة ويؤيد حسن الحربي "ولي أمر" سابقه بالقول: عندي اثنان من الأبناء هنا، وهؤلاء العمالة لديهم نشاطات أخرى مثل تنظيف السيارات في الأحياء، حتى إني أعرف السكن الذي يقطنون فيه، حقيقة لديهم سلوكيات مزعجة ومشبوهة، يسعدني أن تجد وزارة التربية وسيلة ناجعة للتخلص من هذه المسألة بشكل مناسب وسريع، ثم إن مستوى النظافة الذي تكون عليه المدارس مع هذه العمالة متدن جدا لأنها غير متخصصة في ذلك، ليست لديهم معدات متخصصة في التنظيف، كل ما يفعلونه هو رش الماء في باحة المدرسة ومسح الجدران بطريقة بدائية، مع تنظيف ما يقع تحت أنظارهم من فوارغ العلب وغيرها، ما هو المتوقع من هولاء. وهكذا يكون المشهد في مدارسنا، مدارس تلقي بزمام شؤون النظافة بعهدة ثلة من العمالة غير النظامية وبعلم إدارات التربية والتعليم في المناطق ومن قبلها وزارة التربية والتعليم التي تواصل السماح بهذه الظاهرة بالبقاء على الرغم من أخطارها وسلبياتها التي لا تخفى على أحد. وفي المدينةالمنورة تأتي نفس الأصوات والشكاوى من الآلية المتبعة لتنظيف المدارس والارتجالية التي يسببها نظام الوزارة في تنظيف مدارسها في وضع لا يساعد على تكوين البيئة المناسبة لتعليم أفضل، يقول سعد الأحمري "مدرس لغة عربية": تمنح إدارة التعليم بالمنطقة مدير المدرسة الصلاحية في طريقة تنظيف المدرسة وعلى ذلك يضطر لجلب عمالة عشوائية من الشارع لتنظيف المدرسة، تسبب ذلك في تسجيل عدة قضايا تحرش جنسي من قبل العمال ضد الطلاب، وما خفي أعظم، ببساطة ما يحدث أمر خطأ ويجب مواجهته للتخلص منه بشكل قطعي. سر التمسك بهم وبعيدا عن المدينة حيث العاصمة الرياض كانت لنا وقفة مع مدير مدرسة يتحدث عن تجربته بالقول: هو واقع صعب ونجد أنفسنا مجبورين على فعله لأن الطريقة الحالية لا توفر لنا خيارات كثيرة، نستلم مبالغ مالية ضئيلة لتنظيف المدرسة ويطلب منا التصرف كل على طريقته، فماذا يمكن أن نفعل، من هنا لا نجد سوى الشارع لنتلقف هذه العمالة التي تجوب الشوارع لكل غرض من أجل تنظيف المدرسة، الشركات المتخصصة تطلب مبالغ مرتفعة للتصدي لمهمة التنظيف، نعلم أنهم يستحقون ذلك ولكننا لا نملك المال الذي يكفي لجلبهم، فلا نجد مناصا من التوجه لهولاء لينظفوا مدارسنا، بالمقابل نحاول أنا وبقية المدرسين مراقبتهم وإبعادهم عن الطلاب لمنع أي تجاوزات تحدث، للأسف بعض العمالة التي تنظف مع مرور الوقت أصبحوا يروجون الشمة للطلاب وغير ذلك من أقراص مدمجه إباحية وخلافه، الطلاب أمانة لدينا ونحن جميعا أمانة لدى الوزارة التي يجب أن تحل المشكلة، فهي على اطلاع كامل بآلية تنظيف المدارس والميزانية لا أعتقد أنها تشكل أي عائق أمام الوزارة في حال أرادت إحداث نقلة تحسب لها في مجال تنظيف المدارس لما له من تأثيرات ايجابية تتعدى مسألة التنظيف فقط ويتعداها إلى عدة أمور أخرى تتعلق بالطلاب وسلامتهم. أما سعد المقيطي "معلم" من الباحة فلا يتعدى في حديثه ما قاله سابقوه، إلا أنه اعتبر الأمر مواصلة لعدة ظواهر تستحق منحها مزيدا من الاهتمام حيث يقول: نعم لدينا في المدرسة يحدث ذلك، عمالة غير مؤهله تنظف المدرسة كيفما اتفق، بمستوى رديء من الجودة والمشكلة إن إدارات التربية تتعامل مع الموضوع بشكل روتيني ولا تجد لديها رغبة في تغيير الواقع، هل ينتظرون حصول كارثة للتحرك، ربما ولكن ما أعلمه حقا هو قلة الاهتمام بكل ما يتعلق بالسلامة، بعض معدات التصدي للحرائق لا تعمل وتفتقد للصيانة منذ فترات طويلة وهو أمر يحمل درجة كبيرة من الخطورة في أمر يتطلب تعاملا مثاليا من واقع الإحساس بالمسؤولية. وكان لقطار قضيتنا وقفة في مدينة تبوك حيث كان المعلم حسين الحازمي يشاطر الجميع في رأيهم عن ضرورة منح ملف تنظيف المدارس ما يستحق من اهتمام حيث يضيف بالقول: لا نريد مشاهدة هؤلاء العمالة في المدارس بهذه الطريقة، الكثير من المضايقات التي يتعرض لها الطلاب الصغار منهم، باختصار أنهم قنبلة موقوتة تعيش بين جنباتنا وخطرها يتجه مباشرة الى أبنائنا الطلبة، لذا يجب أن نكون أكثر حزما في تطوير العمل في المدارس وفي مقدمة ذلك آلية التنظيف الحالية التي تعتبر نظاما متخلفا في بلد ينشد التطور مثل المملكة. تعليق التربية بالمقابل كان من الإنصاف التوجه إلى المعني بالرد على كل ما قيل آنفا، ونعني بذلك وزارة التربية والتعليم ممثلة بإدارة الإعلام التربوي ومديرها الأستاذ محمد الدخيني إلا أن الاتصال على هاتفه لم يأت بأي نتيجة وحتى الرسائل النصية لم تجد هي الأخرى في كسب رده المأمول، لنتجه بحكم جغرافية المكان الى إدارة التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية التي أرسلت ردا على لسان مدير إدارة الإعلام التربوي لديها الأستاذ خالد الحماد الذي جاء رده على ما سبق: بالنسبة لإمكانية التعاقد مع شركة متخصصة فالأمر يعود للوزارة حيث إن الآلية المتبعة تأتي وفق تعليمات وزارية يعمل بموجبها لجميع المناطق التعليمية بالمملكة. ويضيف الحماد: أما ما يخص الميزانية المخصصة لتنظيف المدارس في تعليم الشرقية فتبلغ 17 مليون ريال سنويا تقريبا، وختم الحماد خطابه بالتأكيد على حرص إدارة تربية الشرقية على توفير البيئة التربوية المناسبة لكافة الطلاب بما يحقق تطلعات الوزارة. يذكر أن هناك قرابة 1800 مدرسة للبنين والبنات فقط في المنطقة الشرقية تعمل غالبيتها بعيدا عن أي سياسة موحدة في مسألة التنظيف وتعتمد على اجتهاد مديري مدارسها في توفير عمالة تتولى تنظيف كل مدرسة بانتظار حل حاسم وجذري من الوزارة ينهي فصول القضية بشكل نهائي.