محافظة طريب ما أضيق العيش لولا فسحة الامل . عشت في السنين الماضية بعيدا عن مسقط رأسي طريب, غادرتها وانا ابن خمسة عشرة سنة ,في ريعان الشباب بل لم ينبت حينها شعر شاربي (لم يخط شاربي ) وادعت امي وابي واخوتي واخواتي واعمامي وعماتي و اخوالي وخالاتي وجميع قراباتي و بعض من يربطنا بهم علاقة - وكل المجتمع لنا بهم علاقة- حتى اني القيت نظرة الوداع الى بعض الاماكن التي ما تزال علاقة ذكرياتها في ذهني,وربطت امتعتي والحزن يعتصرني ,كفكفت دموعي زعما ورجولة ,فالمجتمع القبلي لا يسمح بالرخاوة ولا مجال للعاطفة ,كانت رحلة ممزوجة بالحزن والنشوة والتطلع الى تكوين مستقبل جميل والاعتماد على النفس ونفع الوالدين وان اصبح رجلا له قيمته في مجتمعه ,لحظة الوداع في تلك السنين ليست كمثيلتها في هذه السنين فلم يكن هناك وسائل نقل متاحة ولا وسائل اتصال ولا حتى ادنى معرفة بالمستقبل فكل شيء كان مجهول ,فلا خطط تتبع ولا مشاريع مدروسة ولا حتى مجرد تفكير في اي عمل يمكن ان التحق به ,رحمك الله يا ابي فقد كنت مرهفا وذو عاطفة جياشة ,تكتم احساسك الجميل مراعاة لمشاعري وخوفا علي ,ولقد كنت تتطلع الى مستقبل واعد في شخص ابنك النحيل الجسم الصغير السن ,والحمد لله لقد تحقق ما تريد ,وبعد تلك الفترة وفراق الاحباب وسنين الغربة وشدة العمل وغيرها من منغصات الحياة ,وفقني ربي وتزوجت ورزقني بذرية وعشت حياة طبيعية ولله الحمد وبعد مرور هذه السنين وعناء التنقل بين جميع مناطق المملكة للعمل, حان وقت الراحة وآن الأوان أن أقضي حياة ما بعد التقاعد في مسقط راسي - طريب- واخذت اخطط لبناء منزل مناسب ,وفي تلك الايام وبعد ان استشرت بعض الاقارب عن ذلك التصميم , وجه لي عدة اسئلة اعادتني الى الوراء سنين وسنين لكني في تلك السنين الماضية استطيع التحمل بعكس هذه الايام فقد كبر السن ورق العظم وشاب الراس فليته لم يقلها لي , لكنها الحقيقة !!!قال لي : هل تريد الراحة اذا سكنت في طريب؟ !! قلت :نعم . قال :كيف ؟وانت تحتاج مراجعة المستشفى بين الحين والآخر ومتابعة مستمرة لحالتك من اطباء متخصصين !!وابنك في الجامعة والآخر في المعهد وابنتك في الكلية ,هل تريد ان تقض على حياتك ومستقبل اولادك في طريب ؟؟؟!! لا يوجد في طريب كليات ولا معاهد ولا مستشفى ولا خدمات صحية مناسبة. في الحقيقة ان صاحبي هذا - المستشار -قضى على آمالي وآخر الأماني,فقررت ان اضحي براحتي من اجل مستقبل اولادي,واخذت انظر في مخطط المنزل واتسلى فيه ,وبدأت اعيش على ضفاف الذكريات وابكي على اطلالها . فسلام عليك ياطريب حتى تعمك رحمة ارحم الراحمين ,ولك علي وعد ان اعود اليك اذا ابلغتني يا طريب واصبحت محافظة وتم افتتاح المستشفى لاتداوى فيه, وكلية تدرس بها ابنتي قريبا من بيتها كمثيلاتها من بنات المملكة. وسوف يبقى الأمل قائما ,فاني ارى في الافق خبر سار لاهالي طريب , طالما انتظروه وبشوق يترقبوه.فياليت شعري متى تحين الفرحة وتتوفر الخدمات وابني منزلي واسعد فيه ان بقي في العمر حياة . (هذه قصة رجل من طريب )