لقد تكلمنا في المقال السابق عن ( نشأة العلمانية وموقف دعاتها من الدين وبيان الأدوار التي مرت بها ) .. ونلخصه في النقاط التالية : الأولى : العلمانية عند قيامها في مرحلتها الأولى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين تنظر على أن الدين لأبد أن يكون أمراً شخصياً لا شأن لدولة به حتى جاء القرن التاسع عشر وهي المرحلة الثالثة إذ بالعلمانيين يتجهون أتجاهاً منافياً لدين وأحلوا الوضع المادي مكان الدين بل حاولوا طمس الدين بالكلية . الثانية : الأدوار التي مرت بها : الأول : الصراع الدموي مع الكنيسة ويسمى عصر التنوير . الثاني : ظهور العلمانية الهادئة حتى استطاعوا التغلب على رجال الدين . الثالثة : اكتملت قوة العلمانية ورجالها وحل الإلحاد ما كان الدين تماماً . وهذا باختصار .. وسنتناول في هذا المقال ( العلمانية .. الرد على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية والدين ) .. ما أكثر المغالطات التي توجه إلى خلط المفاهيم إما عن جهل بالحقائق وإما عن معرفة وطوية مبينة شريرة .. ومن العجيب حقاً أن يتبجح منشئوا العلمانية بأنها حرب على الأديان وتذوب للمجتمعات في بوتقة اللادينية ثم يأتي بعد ذلك من يحاول تغطية هذا المفهوم الواضح فيدعي التوافق بينها بحجة أن العلمانية والدين يجتمعان في الحث على العلم والاكتشافات والتجارب والدعوة إلى الحرية وأن العلمانية تخدم جوانب إنسانية بينما الدين يخدم جوانب إلهية .. إلخ ترهاتهم ولنا أن نقول للمغالطين أن العلمانية لم تظهر في الأساس إلا بسبب الخلافات الشديدة بين دينهم وبين علمانيتهم وإلا فما الذي أذكى الخصومة بين الدين والعلمانية ؟ نعم إن الدين الصحيح يدعو إلى نبذ التأخر والأخذ بالعلم ومعرفة الاكتشافات والبحث والتجارب ويدعو إلى الحرية لكنه لا يجعل تلك الأمور بديلاً عن الخضوع للتعاليم الربانية أو الاستغناء عنها وإحلال المخترعات محل الإله عز وجل بل يحكم على كل من يعتقد ذلك بالإلحاد ومحاربة الدين علناً وهو ما سلكته العلمانية بالنسبة لنبذها للدين . والدين الصحيح لا يفصل بين السياسة والحكم بما أنزل الله تعالى ولا يجعل قضية التدين شخصية مزاجية ولا يبيح الاختلاط ولا السفور وإعلان الحرب على القيم والأخلاق بينما العلمانية لم تقم في الأساس إلا على تكريس البعد عن الدين النصراني وإباحة الشهوات بكل أشكالها . فأي وفاق بينهما .؟؟ كذلك الدين لا يبيح لأي شخص أن يشرع للناس من دون الله تعالى ولا أن يتحاكموا إلى غير شرع الله تعالى وهذا بخلاف العلمانية كما التوافق بين شيئين في بعض الجوانب لا يجعلهما متماثلين حتماً . سؤال .. هل يوجد وفاق بين الإسلام بخصوصياته وبين العلمانية .؟؟ فإنها إذا كانت العلمانية لا تتوافق مع بعض المذاهب الوضعية الجاهلية وتقف ضد نفوذها أفيمكن أن تتوافق مع الإسلام بخصوصه إن الدين يتصورون ذلك لا يحترمون عقولهم ولا مشاعر الآخرين أليس هو العدو اللدود لجميع الجاهليات مهما اختلفت أسماؤها في حزم وصرامة دون إي تحفظ لا يختلف في ذلك مسلمان ؟؟ وكيف تقف العلمانية القائمة على الشرك بالله عز وجل وبين الإسلام القائم على عبادة الله وحده لا شريك له ذلاً وخضوعاً وحكماً في كل شيء . لقد قامت العلمانية من أول يوم على محاربة الدين وعدم التحاكم إليه وعلى الخضوع لغير الله تعالى أما الطبيعة وإما في عبادة بعضهم بعضاً بعد أن ابتعدوا عن الدين وعن الخضوع لرب العالمين وأشركوا معه سبحانه فئة من البشر يسمونهم بالمشرعين أو القانونيين ويقدمون كل ما يقرره هؤلاء وينفرون عن ذكر الشريعة الإلهية والرسل والرسالات لأنها بزعمهم لا تقدم الحلول الناجحة كالتي اخترعوها متناسين هذه الفوضى الفكرية والأخلاقية والاقتصادية .. إلخ ، الفوضى التي يعيشها المجتمعات العلمانية ونقضها اليوم ما أثبتته بالأمس قال تعالى { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا } ولعل الذي حمل بعض القائلين بأن العلمانية لا تحارب الدين ما يرونه من عدم تعرض العلمانية لسائر أهل العبادات بخلاف النظام الشيوعي ولكن يجب أن تعرف أن أساس العلمانية لا ديني ولعل تركهم لأهل العبادات إنما هي خطة أو فترة مؤقتة . وللحديث بقيه إن شاء الله في المقال القادم .. ودمتم بخير .. كتبة : فيصل راشد السبيعي .