أعادت أحداث ملعب عمر حمّادي ببولوغين إلى الأذهان كابوس مسلسل العنف داخل الملاعب للموسم الكروي المنصرم، وما سبقه أيضا من مواسم "سوداء" قاتمة، داس فيها المشاغبون على كل الشعارات الداعية لاحترام أخلاقيات اللّعبة والروح الرياضية، وضربت عرض الحائط الظهور المحتشم للحكومة بحملة تحسيس، أثبتت عند افتتاح الموسم الكروي الجديد بأنها لم تكن إلا صرخة في واد. جاء ردّ المناصرين على القسم باحترام الروح الرياضية التي رفعته رابطة كرة القدم المحترفة شعارا لافتتاح البطولة بين مولودية الجزائر وشباب بلوزداد، بمهزلة تخالف كل الأهداف المرجوّة من هذه المبادرة، وهو ردّ يؤكد قطعا بأن الكابوس لم ينته، وبأن كل الإجراءات المتخذة البعيدة عن الردع، لن يُرجى منها أي نتائج، وبأن الوضع الحالي يؤكد بما لا يدع مجالا للشكّ، بأن كل الأطراف المسؤولة تخلّت عن واجباتها، وترك المجال واسعا للمشاغبين لبسط سيطرتهم على الملاعب الجزائرية وفرض منطق العنف، في تحدّ خطير للدولة. فضيحة افتتاح البطولة كتب عنوانا قاتما وبالبنط العريض، على أنه شعار الموسم الكروي الجديد، هو "العنف في الملاعب" ولا شيء غير العنف، بدليل الألعاب النارية التي "ألهبت" مدرّجات ملعب عمر حمّادي ببولوغين بشكل مخيف ومثير للجدل، وهو المشهد الذي نقلته كاميرا التلفزيون الجزائري التي نقلت المباراة مباشرة على الهواء، وحمل صورا يُفترض أن تكون لأفضل مباريات البطولة الجزائرية، وتتصدّر واجهة مباريات بطولة الاحتراف، المقترحة للترويج لها إعلاميا وتجاريا، ليتم تسويقها في عدد من القنوات الأجنبية. البطولة انطلقت باستعادة كابوس مقتل الكاميروني ألبير إيبوسي في الجولة الثانية من الموسم الكروي المنصرم بملعب أول نوفمبر بتيزي وزو، وهو مشهد يكشف فشل سياسة التحسيس الذي دعت إليها الحكومة وجنّدت لها عدة وزارات، ويؤكد أيضا بأن المسؤولية مشتركة في تمكّن المناصرين من إغراق مدرّجات ملعب عمر حمّادي بعشرات الألعاب النارية، ثم إشعالها واستعمالها بشكل خطير في المدرّجات قبل الإلقاء بها فوق أرضية الملعب، كون دخول المناصرين إلى الملعب يسبقه عملية تفتيش دقيقة، وهو إجراء يهدف إلى منع إدخال كل الأشياء الممنوعة والمحظورة. وسبق مباراة مولودية الجزائر وشباب بلوزداد مشادات عنيفة بين أنصار الفريقين بسبب تذاكر الدخول، وتواصل المشهد إلى المدرّجات ثم إلى الشوارع من جديد عقب انتهاء المباراة، بشكل يؤكد بأن الملاعب الجزائرية مقبلة على موسم أسود، كون الشغب أصبح سلوكا تلقائيا تقريبا، وليس له علاقة وطيدة بالمباريات الحساسة أو بالمباريات الهامة والفاصلة والمصيرية خلال المحطات الأخيرة من عمر البطولة، ما يستدعي اليوم تحمّل الدولة لمسؤولياتها وترويض المشاغبين من خلال تطبيق القوانين بحذافيرها، دون مراعاة الجوانب السياسية التي تكون فيه الدولة حريصة على شراء السلم الاجتماعي، حتى على حساب أمن وسلامة الأشخاص والممتلكات. ما حدث بملعب عمر حمّادي ببولوغين، يفضح الحكومة ويكشف عورات التسيير الارتجالي الذي يبتعد عن تطبيق القانون على "مشاغبي الملاعب"، ويجعل الدولة مسؤولة عن أي تجاوزات أخرى محتملة، يكون ضحيتها، ليس المناصرون الرياضيون الحقيقيون فحسب، إنما أيضا المواطنين، وتُلحق أضرارا بالممتلكات الخاصة والعمومية، وتسيء أكثر إلى صورة الجزائر محليا ودوليا.