يعتقد البعض أنهُ كي يُصبح فارساً فإن عليه امتطاء جوادٍ ما ، من ثَمّ الإمساك بزمامه و ضرب خاصرته بكعبِ ذاك النعل الأنيق ، ثِق بي إن آخر ما عليك فعله -إذا عزمت على أن تكون فارساً – هو امتطاء جواد ! على الرغم من كون الفروسية متاحةً للجميع و في كل وقت إلّا أنّ لقب "فارس" لا يُمنح ، بل و إنّه لا يُنال بسهولةٍ حتّى ، إنما هو استحقاق يُنتزع من رحم المُعاناة ليُغرس على قمّة النُبل ! فأمّا المُعاناة : فهي أغلالٌ تفرضها -الفروسية – أوّل ما تفرضها على كُل من سوّلت لهُ نفسه ارتكاب حماقة المضي قُدماً في عالمها ، تُربك حواسّهُ في حين أنّها تُقحِمُ ذراعيها في غلائل صدره كي تعتصر قلبه ، تاركةً إيّاه مُلقى على شفا حفرةٍ من لهيب جِوارها الآسر مُتهالكٍ غير قادر على المضي قُدماً أو حتّى على العودة من حيث أتى ، هكذا هي تتركه مُعلّقاً بين السماء والأرض فإمّا أن يلقى حتفه في ساحاتها طوعاً ، و إمّا أن ينجو بنفسه ، وإنني لم أرى رجلاً كانت قد زلّت قدمه في غياهبها ثُمّ نجى بنفسه ، حتى ذاك الذي استجمع قواه يوماً و أشهر شجاعته و صوّب هجرهُ لها نحو قلبه بعد أن مزّق بأعنّتها شرايين معصمه ، أجزم أنّها مازالت تُراوده عن نفسه و مازالت تتسكّع في أروقة دمه ! و كما يهب الرهبان أنفسهم لخدمة الكناىس ، يهب الفرسان حياتهم للخيل و الفروسية ، و راهب الخيل يمنح من وقته وجهده و صحته و ماله تحت تأثير دُوار الشغف الفروسي ،ذاك الشغف الذي مايلبث باستنزاف عاطفته منذُ اللحظة الأولى ليجد نفسه و قد امتلأ قلبه بها حتى لم يعُد يتّسع لغيرها ، شيئاً فشيئاً يجد أنه قادر على التخلّص من كل شيء إلا منها ، و كأنّما علقت تفاصيله في شباكها ! و أمّا النُبل الفروسي فإنّما هو دستورٌ قوانينه صارمة لا يُجزيك جُلّه ما لم تلتزم بكُلّه ، إن شاب صحيفةُ أخلاقك شائبٌ وُصمت جبينُك ، وإن غلبتك فطرتك و أخطأت يوماً لم تُثاب على صوابك بعدها ، وسوف تُطرح من عِداد الفرسان لتُكتب مع عامّة الناس ، هكذا جرت العادة و هكذا هو العرف في جميع الأساطير منذ الأزل ، فإنه لطالما كان النُبل ديناً مُعلقاً في رقبة فارسه فإمّا أن يؤدّي دينه أو يُدان به ، فاحرص – رعاك الله – على أن تلزم مكانك عند قمّة النُبل ، وأن لا تكون مُجرّد مرتزقٍ يحسبه الرائي فارساً مُهاباً حتى إذا ما عرفه جرّده من كُلّ وسام كان قد وضعه في الحُسبان له ، فلا يُعلِي شأنك بعدها علمك بفنون امتطاء الخيل وترويضه ! اعلم قبل أن تُراودك نفسك و تمتطي جواداً أنّك تُشرف على ترك عقلك خلفك و السير وراء جنونك ، وأنّك – إن فتنتك الخيل – سوف لن تتردد في أن تفعل كما فعل من أحرق روما كلّها من أجل سيجارة ! لست أقول أنّ الماضي في طريق الخيل خاسر ، بل أقول أنّ عليه أن يُقدم على علمٍ بأنّهُ لن يستطيع الاحتفاظ بكُل شيء ، فإن الفروسية كما أنّها سوف تهبك فإنّها ستأخذ منك ، هكذا هي لا تهب قبل أن تأخذ ،و إن وهبت لن تزيدك في بحرها إلّا غرقاً ، فأنت وذاك !