جماهير الكرة لا تعترف بالأرقام ولا تهتم بالحقائق العلمية, تتبع الهوى والعاطفة وتحكم بهما, وإذا (مسكت) على شيء فمن الصعب تغييره. إذا فاوض ناديها لاعبا سيكون أفضل لاعب، وإن رفضهم المفاوَض، فهو (كخة) ولديهم أفضل منه ولا يستحق أن يرتدي الشعار المقدس. تحتفظ ذاكرة أغلب الجمهور الرياضي بالأحداث الأخيرة، وتنسى الأرقام، على سبيل المثال، لاعب سيئ طوال الموسم وسجل في ختامه سيفاجأ باسمه مرشحا لجائزة أفضل لاعب في الموسم, ولن يقول لا أستحق، وإلا لكان مجنونا ومثاليا في عرف الجماهير والمثالية ضعف وقلة الأدب قوة وممارسة الظلم دفاع عن الحقوق في سلوك المدرجات، وليس أمام اللاعب المتوج إلا جمع المبررات لإرضاء الأنصار أمام الآخرين. وبالمثل، بطل كأس خادم الحرمين سيكون مرشحا كبيرا للقب أفضل فريق في الاستفتاءات التي تجريها الصحف نهاية الموسم, وسينسى بطل الدوري، البطل الأكبر للمسابقات في كل مكان في العالم ولن يتذكر الجمهور ما فعله أي رئيس ناد طوال الموسم من ضخ مالي وجهد, وسيتذكرون رئيسا واحدا لأن فريقه آخر من فاز. لو خرج الهلال من كأس الأبطال السعودي مثلا, سينسى أبناء الأزرق كل ما قدمه الأمير عبد الرحمن بن مساعد في هذا الموسم من ضخ مالي تجاوز أربعين مليون يورو, ولن يمر في ذاكرتهم أن فريقهم خرج من الموسم بكأس, الهلاليون أغلبهم طالبوا بالتعاقد مع العربي, وإيمانا, وتحمسوا لهما, ثم هاجموا الرئيس على اختياراته, والآن يطالبون بالغاني جيان ولو جاء جيان ورفع إصبعه أو مد لسانه لن يتذكروا أنه خذلهم جميعا، إذا قلت للرجال الزرق: حصيلة الرئيس ممتازة في أربع سنوات يردون باختصار: بس هذا الهلال؟ ولا يمكنك إلا أن تتمتم: وإن كان الهلال, أفلا يخسر مثل الآخرين؟ أم أنه يلعب دون مرمى؟ إلى الشباب, وبعد أن فعلت ما فعلت في موسمي، لو كنت رئيسه لذهبت إلى إحدى جزر المحيط الهندي وابتعت قميص كاروهات وشورتا بلون فاتح واستلقيت على شواطئ البحر وتنفست بعمق كأني أمتص هواء الأرض كله, لكن الحال لن تكون كذلك, رغم أنه بطل الدوري, هيهات أن يسامحه جمهوره على الخروج من كأس الأبطال وعلى يد النصر بالذات, وما يخفف من مصاب البلطان أن جماهير فريقه قليلة لا تسبب إزعاجا. في الأهلي, بعد غياب سنوات كان قريبا من الدوري هذا الموسم، ما زال يدافع عن لقبه في كأس الأبطال, ما زال يمضي في دوري آسيا بجموح, تعاقداته المحلية والأجنبية هي الأفضل، حصيلة إدارية وفنية ممتازة جدا للرئيس فهد بن خالد, لو خسر سيقولون له: ألم نقل لك إن جفين ما ينفع وأنت مُصرٌّ, ليش ما تسمع الكلام؟ وإن جنحنا إلى الأصفرين, فأصفر الرياض وشقيقه في اللون كبير جدة, فيهما من المثالب هذا الموسم ما الله به عليم, وربما هما الوحيدان اللذان لن يجد رئيساهما إزعاجا جماهيريا بعد أن تفرغت شحنات المدرجات منذ وقت مبكر, ورغم هذا لو نجح فيصل بن تركي بفريقه في انتزاع كأس الأبطال سيُحمَل فوق الأعناق، وينسى الجمهور كوستاس، وبينو وخانة الآسيوي الفارغة ومالك معاذ. إنه جمهور الكرة في كل مكان، قال عنه أريكسون مدرب إنجلترا السابق: الإنجليز كلهم مدربون لا أعرف لماذا تعاقدوا معي، وقال عنهم اريجو ساكي: الإيطاليون لا يعرفون أن هناك عددا من اللاعبين لا يمكن لاختياراتي تجاوزه، وقال لهم عبد الرحمن بن مساعد: لن أضرب عن الطعام من أجل أن يجدد الفريدي للهلال! إنه جمهور الكرة يملك أقصر ذاكرة، يحب ويكره في دقائق، وشعاره دائما ''ما صديقنا إلا إنا''، وإن لم تكن معنا فأنت عدونا، وإن لم تقل ما نريد فسنهاجمك في كل مكان، حتى لو كانت حقيقة الحال (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا).