عندما يكون هناك نظام واضح يحمي الجميع من بعض التجاوزات فأنت أمام عمل منظم هدفه المساواة والعدل بين الناس؛ بهذا يكون للحياة بكل مجالاتها معنى وطعم، ويستطيع الإنسان أن يعيش وهو مدرك أن لكل صاحب حق فرصة مضمونة للحصول على حقه مهما كان هناك من تحايل أو تبريرات غير منطقية . في عالم القانون الاعتراف سيد الأدلة ، والأدلة دائماً ما تكون إما بوقائع مشاهده أو مسموعة أو بشهادة الشهود أو كما ذكرت بالاعتراف ، وجميعها مقياس لثبوت الجرم حتى تصب في مصلحة القانون وتحقيق العدل. وهذا ما ينطبق على أحداث مباراة الهلال والاتحاد في كأس الملك من هتافات (عنصرية) كانت مسموعة وصادرة من المدرج الهلالي، وهذا الأمر لا يقره الهلاليون ولا يتمنون أن يحدث من مدرجهم، فهم يرون أن ناديهم بعيد عن مثل هذا المستوى المتدني كخلق، ويتنافى مع مبادئهم وأخلاقهم، ويفهمون جيداً أن دور الرياضة يرتكز على بعض القيم النبيلة المستمدة من الشريعة الإسلامية، ولا أشك -بأي حال من الأحوال – في أن الهلال كإدارة وجماهير لا يقبلون أن يصدر عن مدرجهم ما يُسيء لهم ولناديهم العريق الذي عُرف عنه الرقي والاحترام، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نربط جماهير الهلال الكبيرة بمجموعة مهما بلغ عددها ونحملهم جرم هؤلاء مهما كانت فظاعة الجرم ومستوى مقته . في المدرج الهلالي وفي تلك المباراة كان هناك (لفظ عنصري) لا يمكن لأي شخص أن يتجاوزه دون أن يبدي استياءه مما سمع، ولا يمكن لأي رياضي يحمل مسؤولية تنفيذ النظام وتطبيق القرارات أن يتجاهل أمراً كهذا دون أن تكون هناك عقوبة وفق ما هو منصوص عليه في اللوائح الانضباطية للمسابقات الرياضية، (العنصرية) أمر مرفوض وقوانين الفيفا تغلظ العقوبات متى ما صدرت في حق أي فريق . البيان الذي صدر عن إدارة الهلال بخصوص هذا الأمر لم يكن إيجابياً بالشكل المطلوب، بل على عكس ما كان متوقع فقد غلب عليه التبرير أكثر من أي شيء آخر، على الرغم من تقديم الاعتذار واعتراضها عما حدث من المدرج . كنت أتمنى من إدارة الهلال ومن خلال البيان أن تغلب الجوانب التربوية باعترافها بما حدث دون تبرير، وأن تكون لغة الإدانة أكثر قسوة لتلك الجماهير القليلة، ويتبعه اعتذار واضح للاتحاد إدارة ولاعبين، بعد ذلك يكون ضمن سياق البيان توعية للجمهور بأن مثل هذه التصرفات تضر بالنادي وتشوه صورة الهلال، فالصورة الجميلة التي يبنيها الإنسان عن مكان ما أو كيان له تاريخه يجب أن تبقى جميلة وتزداد جمالاً مع مرور الوقت، من قاموا بترديد تلك العبارة قد أساءوا لتاريخ الهلال وأثاروا الرأي العام على ناديهم. لن يقبل الأمير عبدالرحمن بن مساعد وهو الرجل الشاعر الخلوق أن يظهر مدير المركز الإعلامي في إدارته ويصف الأمر بأنه سهل وبسيط ولا يحتاج لهذا التضخيم، ويرمي التهمة على عدد بسيط من جماهير الهلال!! في حين أن الجميع شاهد مدرجاً بأكمله يردد تلك الجملة المشينة، كان من الأفضل أن يخرج ويعتذر ويقبل أي عقوبة تصدر في هذا الشأن، بهذا يكون الجانب التربوي في نادي الهلال قد حقق هدفاً مهماً من أهداف الرياضية ووجه الرسالة التربوية المطلوبة، التنافس الرياضي ليس بالضرورة أن يقودنا للتنصل من المسؤولية وعدم الاعتراف بالحق، فالكبار هم دائماً من تجدهم يواجهون الخطأ ويعترفون به وينقلون عن أنفسهم أخلاق الفرسان. أتفق مع مدير المركز الإعلامي في الهلال الأستاذ عبدالكريم الجاسر حول موضوع عدم السيطرة على بعض الجماهير، وأن الأندية قد تقع عليها العقوبات وهي لا تؤيد مثل تلك التصرفات، ويحتاج المدرج السعودي لمزيد من التنظيم والعمل على توعية الجميع، وهذا أمر ربما يكون فيه صعوبة بعض الشيء، فالتعصب يضرب أطنابه في الرياضة السعودية منذ زمن ليس بالقريب، ونحتاج أولاً لإعادة النظر في بعض الأشياء التي تساهم بشكل أو بآخر في تأجيج الشارع الرياضي؛ كالسياسة الإعلامية في الجانب الرياضي، وتصاريح بعض رؤساء الأندية وأعضاء الشرف؛ حتى نُعيد للمدرج السعودي جماله ورقيّه.
الدور الأهم الآن يقع على لجنة الانضباط في الاتحاد السعودي لكرة القدم في اتخاذ العقوبة المناسبة؛ حتى تدرك الجماهير بمختلف ميولها أن مثل هذه التجاوزات عقوبتها تضر الفريق وقد تحرم المشجع من متابعة فريقه ومساندته . كل من يحاول أن يبرر ما حدث من أجل إلغاء العقوبة أو تخفيفها لن يقدم للكرة السعودية الخير، وقد يفلت الأمر من اتحاد الكرة وتكثر قضايا الجماهير في الموسم القادم، وقد تصل إلى أمور لا تُحمد عقباها . تطبيق العقوبات وإعلانها بعد توضيح الجرم مطلب ملحّ وانتصار للأنظمة والقوانين، بهذا فقط نسمو برياضتنا ونرتقي بفكر المشجع السعودي.