شدد صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم على أهمية إبراز التراث الثقافي للمنطقة ، لإعطائها مكانتها وبعدها التاريخي الذي يمتد لآلاف السنين، وتوثيق وتدوين التاريخ بطريقة علمية وإعلامية . جاء ذلك خلال الجلسة الأسبوعية لسموه أمس الأثنين، في قصر التوحيد بمدينة بريدة ، بعنوان " آثار القصيم وفنونها الصخرية .. حاضر ومستقبل" ألقاها عدد من المتخصصين في هيئة التراث ، بحضور معالي رئيس جامعة القصيم الدكتور عبدالرحمن الداود و وكيل إمارة القصيم الدكتور عبدالرحمن الوزان و الوكيل للشؤون الأمنية بإمارة القصيم الدكتور نايف المرواني ، وعدد من المسؤولين وأهالي المنطقة. ودعا سمو أمير القصيم إلى تدوين التاريخ وتوثيقه، واصفاً من يقوم بهذا الجهد بأنه محل فخر واعتزاز . وأوضح سموه أن الكثير لديه انطباع أن منطقة القصيم فقط زراعية وليست غنية بالتاريخ والتراث، مطالبا بتسليط الضوء على الجوانب التاريخية للمنطقة، التي تعد ضاربة في أعماق التاريخ، كونها يمر بها طريقان من طرق الحج القديمة، ولديها آثار مضت عليها آلاف السنين ، مستشهدا بمواقع العصور الحجرية، وحصاة عنترة بمحافظة عيون الجواء ونقش قرناس بمحافظة النبهانية، بالإضافة إلى الأحفورات والفنون الصخرية وغيرها . وأشار سموه إلى أهمية أن يكون للمنطقة دور بالتاريخ، بمشاركة الخبراء والمتخصصين الذين يقدمون معلومات وافرة عن ما تحظى به المنطقة من بعد تاريخي، وهذا يستدعي الحاجة إلى إبراز النقوش التاريخية والمواقع الأثرية القديمة، وتدوينها وإبرازها إعلاميا، بالإضافة إلى أهمية الاستدلال عليها باللوحات الإرشادية، والتعريفية التي تشير إلى تلك المواقع التاريخية، مشيدا بدور وزارة الثقافة و هيئة التراث بدعم من صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، الذي يهتم كثيرا بهذا الجانب ، متطلعاً إلى أن يضم متحف القصيم الإقليمي المكونات الأثرية والتاريخية التي تتميز بها منطقة القصيم . وكانت الجلسة قد تخللها عرض مرئي عن الآثار بمنطقة القصيم ومواقع ما قبل التاريخ في العصور الحجرية ، و مواقع ماقبل الإسلام ، والمواقع الإسلامية ، والنقوش والفنون الصخرية ، وقصور الدولة السعودية ، والقصور والمباني التراثية . من جهته ثمّن مدير فرع هيئة التراث بالقصيم إبراهيم المشيقح، دعم سمو أمير القصيم للحديث عن جانب من مقومات القصيم التراثية وقوتها الثقافية، مشيرا إلى أن رؤية المملكة 2030 تضمنت العديد من البرامج والمشاريع التي تخدم حفظ التراث الوطني والعناية به، وصياغة الإستراتيجية تضمنت الاحتفاء بالتراث كثروة وطنية ثقافية وعالمية، وحماية وتمكين الابتكار والتطوير المستدام للتراث الثقافي، والحفاظ وحماية التراث الوطني والمواقع التراثية ووضع اللوائح والأنظمة التي تحمي التراث الثقافي وغيرها من الركائز والأهداف . وكشف المشيقح أن أرقام التراث الثقافي بالقصيم سجلت 211 موقعا أثريا ، و 300 موقع تراث عمراني ، و 339 حرفيا مسجلا ، و هناك عمل للعناية بالتراث غير المادي، مشيراً إلى اكتشاف عدد من المواقع لآثار ماقبل التاريخ ، في العصور الحجرية أو الحقبة الزمنية الأولى التي عاشها الإنسان ، وكذلك المنشآت الحجرية التي تنتشر في شرق المنطقة وغربها ، والفنون الصخرية التي تحوي نقوشا ورسوما على الواجهات الحجرية ، مؤكداً أن منطقة القصيم تتميز بوجود العديد من المواقع لما قبل الإسلام ، كصخرة عنترة بن شداد . وبين أن مرور طريق الحج القديم بمنطقة القصيم أسهم في وجود عدد من المواقع الإسلامية ، بالإضافة إلى وجود النقوش الإسلامية وخاصة حول موقع محافظة ضرية وجنوب غرب القصيم، وطرق التجارة والحج ، ومن بينها درب زبيدة الذي يمر بالقصيم عبر 4 محطات ، وتعمل هيئة التراث حاليا لتسجيله في قائمة التراث العالمي، بالتعاون مع هيئة الآثار العراقية ، مؤكداً أن هيئة التراث تعمل حاليا على مجموعة من المشاريع التي تسهم في حماية وتطوير مواقع الآثار بالقصيم، وتنفيذ الدراسات الاستشارية للتأهيل والتطوير وتفعيل مراكز الزوار والمواقع التراثية والرفوعات المساحية للمواقع الأثرية ومشاريع التنقيب وغيرها . بدوره أفاد مدير عام البحوث والدراسات الأثرية بهيئة التراث الدكتور عبدالله الزهراني أن بداية برنامج المسح الأثري الشامل للمملكة بدأ عام 1975 م و استمر 5 سنوات، وسجلت أكثر من 5 آلاف موقع أثري، وعملت هيئة التراث على توثيق عدد من المواقع الأثرية، من أهمها درب زبيدة بالإضافة إلى مشاريع المسح الأثري التي سجلت المواقع الأثرية وظهرت نتائجها في حولية الآثار السعودية. وأبان أن الهيئة أطلقت خلال العشر سنوات الماضية المسوحات الأثرية ، وتم اكتشاف العديد من الآثار كمواطئ الأقدام والأحافير والبقايا العظمية لكثير من الحيوانات بالشراكة مع جهات دولية ، وهناك اكتشافات بشرية قبل 400 ألف سنة ، وهذه المواقع التي تم توثيقها في عدد من المناطق وبينها منطقة القصيم . من جانبه أوضح أستاذ الفنون الصخرية مدير عام التسجيل والحماية بهيئة التراث الدكتور نايف القنور أن النقوش والفنون الصخرية ، تتكون من 4 أجزاء رئيسة ، ومنطقة القصيم تعتبر مكاناً إستراتيجيا ، وتم اكتشاف العديد من مواقع عصور قبل التاريخ وتمتد إلى أكثر من 2000 سنة، وتشكل البعد الأثري والحضاري للمنطقة ، وحصر 20 موقعا يحوي العديد من الأشكال وأنواع الفنون الصخرية ، و ما يميز المنطقة هو توفر البيئة الصالحة للاستيطان ، وتخليد حضوره القوي على كافة المستويات في جبال المنطقة ، ويقع جلها في الجزء الغربي والجنوب الغربي، وهو ما تم مسحه حتى الآن ، لافتا إلى أن منطقة القصيم بدأ الاستيطان فيها منذ أكثر من 200 ألف سنة . وفي نهاية الجلسة كرّم سمو أمير القصيم عدداً من المهتمين والمساهمين في اكتشاف المواقع الأثرية بالمنطقة، تقديرا لدورهم في دعم الجهود الرامية للمحافظة على الآثار .