رفعت وزارة التربية والتعليم سوط الجلاد أمام كل تربوي يريد التحايل على المجتمع، بتحصله على شهادة دراسات عليا «دكتوراه أو ماجستير» غير معترف بها، وذلك في أعقاب فضيحة مدير التعليم في إحدى محافظات منطقة المدينةالمنورة، الذي احتل منصبه بشهادة دكتوراه غير معترف بها. ورغم أن الوزارة لم تتهم المدير صراحة بتزوير الشهادة، إلا أنها ألمحت إلى أن المدير الذي حصل على الشهادة غير النظامية لم يكن مبتعثا أو منتظما في برنامج الدراسة في الجامعة التي حصل منها على الشهادة. ولكن إذا كانت الوزارة سارعت في معاقبة حاملي الشهادات غير المعترف بها، خوفا على سمعتها، من اختراقها من قبل أكاديميين مزورين، فلماذا لا يصبح التشدد عاما من قبل كافة الجهات والوزارات، أم أنه يجب أن يقيد في إطار استغلال الدرجات العليا في الترقيات، خاصة أن وزارة التعليم العالي تتشدد هي الأخرى في فتح المجال أمام الجامعات المعترف بها؟ وهل التلويح بعدم صرف الراتب أو إيقاف التعاملات مع حملة الدال غير النظاميين، يعد إجراء نظاميا لكل حاصل على شهادة جامعية غير معترف بها، أم أنه تشدد غير نظامي، ويخرج عن الاختصاص الوزاري، ومن تراه صاحب الاختصاص؟ وهل يجب التفريق بين الشهادات المزورة وغير المعترف بها، أم أن الكل يقود للآخر؟ وألا تعد شهادة الدراسات العليا شرفية لحاملها، ما دام لم يستغلها في أمور أخرى، أم أنها جريمة تستحق العقاب سواء إداريا أو بالتشهير، خاصة أن استخدامها ولو على محيط الأوراق المذيلة بحرف الدال يعد انتحالا لصفة بغير وجه حق؟ وما احتمال صحة الشهادة، فهل الحصول عليها من جامعة غير معترف بها يجعلها مشكوكا في أمرها، أم يحرمها فقط من الدخول في خانة الترقيات والعلاوات؟ المدير العام لفرع وزارة الخدمة المدنية في المدينةالمنورة محمد سليمان بن حسان أعلنها صراحة: «لا يوجد نظام صريح للتعامل مع هذه الحالات، خاصة إذا بني التوظيف أو الترقية على الشهادات غير النظامية». وألمح في حديث صحفي إلى أن الإجراء العقابي يعود إلى جهة الموظف: «لها أن توصي بفصل الموظف أو إعادة تصنيفه على وظيفة تتكافأ مع آخر شهادة نظامية حصل عليها، أو الاكتفاء بإلغاء الاسم وحظر اقتران اسمه بحرف الدال رسميا، والرفع بما تراه للمقام السامي أو المجلس الأعلى للخدمة المدنية». انتهت تصريحات الخدمة المدنية، ولكن لم ينته تشدد وزارة التربية والتعليم، إذ أعلنت أن التوجيهات الوزارية تنص على: «منع كتابة حرف الدال لمن حصل على درجة الدكتوراه من جامعات غير محلية دون ابتعاث وانتظام في الدراسة، ولو كانت الجامعة معترفا بها». ودافع المتحدث الرسمي باسمها الدكتور فهد الطياش عن حق الوزارة في فرض العقوبات على المخالفين: «عقوبات الوزارة إدارية كفلها النظام، بأحقية إصدار عقوبات ولوائح داخلية حسب ما تراه يخدم المصلحة العامة وسير العمل فيها». نافيا أن تكون هذه العقوبات عامة في نظام الخدمة المدنية: «الوزارة ليست ضد حصول الأفراد على مثل هذه المؤهلات العليا أو تطوير أنفسهم بما يخدمهم وينعكس على المصلحة العامة للوزارة، لكننا نسعى إلى أن تكون جميع هذه الشهادات معترفا بها من وزارة التعليم العالي التي وضعت لجانا مختصة للمصادقة على هذه الشهادات، وأن يكون الحاصلون عليها خاضعين ومنفذين لشروط الابتعاث في وزارة التربية والتعليم بما يحقق مواكبة الحركة التطويرية التي يشهدها التعليم حاليا». لا إحصاءات لكن الطياش اعترف بغياب الإحصاءات التي تحصر عدد من يحملون تلك الشهادات من منسوبي الوزارة: «ليست لدينا إحصاء دقيق بشكلها العلمي، وعدد منهم لم يقدموها إلى جهات عملهم ولم يتعاملوا بها نظاميا، وبقي حملهم لها في إطارهم الاجتماعي، لكن عددا من اللجان في الإدارات المختلفة تعمل حاليا على حصر حملة هذه الشهادات الشرفية». وتوعد الطياش بمحاسبة المتجاوزين في هذا الشأن: «الوزارة ستكافح مثل هذه الألقاب العلمية التي لا تخضع إلى أصول في ملفات حامليها الوظيفية ولن تعترف إلا بما يكون خاضعا لشروط وزارة التعليم العالي، والتعاميم السابقة والحالية واضحة لجميع القطاعات تحذر من يتعاملون بهذه الألقاب العلمية، وغالبية هذه الشهادات غير المعترف بها والحاصلون عليها لا تعترف بهم الجامعات الأم في البلاد التي صدرت منها، ومن باب أولى عدم الاعتراف بها في السعودية». وأشار إلى أن هناك تعاونا تاما مع الوزارات الأخرى المعنية، بشأن إنفاذ التوجيهات التي تقضي بمكافحة مثل هذه الألقاب العلمية غير النظامية، مبينا أن جهات علمية في أمريكا سبق أن أصدرت قوائم في وقت سابق تحمل بين طياتها أسماء سعوديين حصلوا على شهادات علمية بطرق غير شرعية وغير خاضعة لشروط التعليم فيها. الرقابة مخولة إلا أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخدمة المدنية عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخنين، أكد عدم وجود نص نظامي يتيح العقوبات على حاملي الشهادات العليا الشرفية، كاشفا أن: «الجهات المخولة بإصدار العقوبات التي تصل إلى مرحلة حسم الرواتب في حالة التجاوزات هي هيئة الرقابة، وعلاقة الخدمة المدنية بحملة الشهادات العليا وظيفية، وليست لنا علاقة بالإطار الشرفي، أو بالألقاب العلمية التي لا يستفيد منها الأشخاص وظيفيا، لأنها مهمة وزارة التعليم العالي التي تتولى الاعتراف وتصديق الشهادات التي حصل عليها حاملوها من الخارج وفق الشروط التي حددتها وتعمل على تطبيقها». حسومات غير نظامية وحول الآلية التي يجب أن تتبعها هيئة الرقابة في هذا الشأن أوضح الخبير القانوني عبدالعزيز بن مسفر القعيب أحقية الوزارات في إصدار عقوبات إدارية على موظفيها داخليا: «لكن لا يحق لها التعامل معهم بحسومات من رواتبهم بعد وقوعهم في مخالفات إدارية، وإذا صنفت الوزارة التعامل بهذه الألقاب مخالفة إدارية لا يجوز لهم الحسم إلا عقب الرفع بها إلى جهات الاختصاص وهي القضاء الإداري المتمثل في ديوان المظالم، والتي في حال إصداره أحكاما بحسم الرواتب لا يتم حسم أكثر من ثلث الراتب، وذلك حفاظا على كرامة الموظف وعائلته لتجنيبهم ذل السؤال، على ألا تزيد عقوبة الحسم على ثلاثة أشهر متتالية». شهادات أبو ريالين وفيما لم تبرز الدال الشرفية تحت قبة مجلس الشورى لحسم مصير المتحايلين، وحفظ حقوق الجادين، أوضح رئيس اللجنة التقنية والتكنولوجيا في مجلس الشورى الدكتور فهد العبود أن: «المجلس حتى الآن لم يتلق دراسة إحصائية حول أعداد حملة الدال الشرفية، رغم أن أعدادها على أرض الواقع يبدو أنه في ازدياد».ووصف مثل تلك الشهادات بأنها شهادات أبوريالين، ملمحا إلى أن حملتها حصلوا عليها بمادتهم وليس بجهدهم أو تحصيلهم العلمي، محذرا من أضرار هذه الشهادات على المجتمع فكريا واقتصاديا، لذا يجب محاربتها واجتثاثها من قبل جميع المؤسسات الحكومية، والقضاء على وجودها. غياب المشاركة السبب وربط عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود والباحث الزائر بكلية الطب بجامعة ما ساتشوستس في أمريكا ومركز بحوث الجينوم برشلونة إسبانيا، والحاصل على الماجستير من جامعة السوربون مرزوق مشعان، ما يمكن وصفه بظاهرة الشهادات غير المعترف بها أو المزورة بالتركيبة الاجتماعية نتيجة غياب المشاركة العامة: «هناك أشخاص يبحثون في أي مجتمع عن طرق يحصلون بها على الاعتراف بوجودهم، وكما ملاحظ في مجتمعنا فإن الناس عندما يرون شخصا ما نجح في مجال معين فإنهم يسارعون لتبني هذا الشخص كصورة أعلى للنجاح وبالتالي محاولة القيام بنفس عمله، وهذا بسبب غياب ما يسمى الاهتمامات الشخصية الحقيقية، وفي الغرب والعالم المتقدم، يعتبر الحصول على الدكتوراه بأنه الحياة المهنية أو الكارير، فيما لدينا يعتبر تتويجا للحياة المهنية، وهذا يؤدي في تصوري إلى تلك الرغبة المحمومة في الحصول على الشهادات دون بذل الجهد الحقيقي في التعلم». وقلل من تأثير وجود مثل هذه الشهادات في سوق العمل: «أعتقد أن صاحب العمل أذكى من أن تنطلي عليه قصة الشهادات، فالتوظيف يعتمد على عناصر كثيرة من ضمنها الشهادة لكن العناصر الأخرى مثل الخبرات والمهارات الشخصية والصفات الفردية تكون أحيانا أكثر أهمية من الشهادة». أضرار الشرفية وحددت محاضرة بجامعة الرياض الدكتورة غيداء الأحمد عدة أضرار توقعها مثل هذه الشهادات الشرفية أبرزها أن هؤلاء حصلوا على الشهادات اسما لا معنى: «لا يمتلكون الدراية ولا المهنية لخدمة الذات فما بالنا بخدمة الغير، وبهذا فإنهم يفتقدون الاحتراف، لا يفيدون من تحتهم من موظفين وطلاب بأي خبرات خارج الكتب المقررة، هذا إن كانوا في الأصل يجيدونها، ما يتسبب في تخريج أجيال تحمل سمة الهشاشة في التحصيل العلمي، كما يجهل هؤلاء التعامل مع المستجدات العلمية، فضلا عن تهاونهم عن الاستفادة من الخبرات العلمية لأصحاب الكفاءات، فكيف يبالي من حصل على شهادة طازجة دون تعب، بأمور مصيرية لها انعكاساتها على المجتمع المحيط». وأبانت أن تلك الشهادات تؤثر نفسيا بالإحباط على المتفوقين من المرشحين لإكمال دراساتهم العليا، حيث يقضي هؤلاء عدة أعوام تتراوح ما بين ثلاثة وخمسة أعوام للحصول على المؤهل، بينما يحصل من درسوا بطرق غير نظامية على الشهادات في فترة وجيزة لا تزيد على الأشهر، كما يؤثر الأمر في الأمن الوظيفي للمتفوقين؛ حيث يشغل هؤلاء وظائف ليسوا جديرين بها، ما يعوق تعيين من يستحقونها بسبب انحسار عدد الوظائف لمن يحملون شهادات عليا، إضافة إلى الإخلال بإدارة المكان، حيث إن الغالبية العظمى يتجهون لتقلد مناصب عليا هروبا من واقع الجهل بما تضمنته شهاداتهم، وبذلك لا يولون أهمية لاستهداف الرؤى المستقبلية والأهداف المرجوة من وجودهم على رؤوس الهرم.ودعت غيداء إلى توفير هيئات رقابة على من يقعون تحت هذه الفئة ليس لمنعهم من استخدام الدال فحسب، لأن منعهم لن يقدم أي فائدة، بل لمنعهم من التوظيف بهذه الشهادات أو حصولهم على صلاحيات عليا ليسوا جديرين بها على الإطلاق. دكاكين الشهادات اعتبرت عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام الدكتورة حصة الكهلان أن الألقاب التي باتت تهدى جزافا أعطت وزنا غير محسوب للملقب وأعفته من تبعات اللقب، متسائلة: هل يمكن أن نرسم خطا واضحا يفصل بين منح لقب شرفي، والحصول على درجة علمية بعد جهد وتعب: «ابتلينا بنوع من الشهادات حتى حدا الأمر ببعض الوزارات لفرض رقابة صارمة على الألقاب وخاصة الممنوحة من دكاكين الشهادات، والحرص المنقطع النظير على الحصول على الدرجات مؤشر خطير على عدم الإحساس بعمق مسؤولية الدرجة واللقب، ومن تجاربنا في مقابلات الدراسات العليا نشعر بمدى غياب الرؤية وعدم إدراك المسؤولية من الجدد إذا ما سألنا أحدهم لماذا ترغب في إتمام دراستك» .