أمس كنت في طريقي من الرياض إلى جدة. حين وصلت إلى مكة، كان مفترق الطرق الذي أعرفه إلى جدة مغلقا لأعمال الصيانة. دخت «السبع دوخات»، لم يبق شارع ولا زقاق في مكة بطولها وعرضها إلا مررت به. أسأل أحدهم فيجيب: «اتجه شمالا». حين أتجه شمالا أسأل مرة أخرى فيجيبني متطوع آخر: «يا أخي ما الذي أتى بك إلى هنا؟ اتجه جنوبا»، أتجه جنوبا ليصدمني متطوع ثالث: «يا أخي أنت في الطريق الخاطئ، ما الذي أتى بك إلى هنا؟ اتجه شمال شرق». كدت أجن. بعد ساعات من الدوران في حلقة مفرغة التقيت شابين محترمين.. اقترحا أن أتبعهما. بعد فترة تنحيا جانبا وترجلا من سيارتهما ليرشداني إلى المرة الأخيرة. قال أحدهما: «اتجه يسارا وبعد أن تواجه الإشارة، خذ الجانب الأيسر». صرخ صديقه الآخر: «لا تتجه يسارا، بل مباشرة». قال الأول: أقول يسارا. رد الآخر: بل مباشرة. يسار. مباشرة. يسار. مباشرة. كادت أن تحدث مذبحة لولا تدخل المارة. سمعت كثيرا عن أصدقاء يقتل بعضهم بعضا بسبب خلاف على لعبة بلوت، أما أن يقتل أحدهم صديقه لأجل خلاف على وصف طريق لأحد الغرباء، فهذه جديدة. حين بلغت الإشارة التي اختلف الصديقان، هل أتجه معها مباشرة أم يسارا، اكتشفت أن كليهما كان على صواب، إذا اتجهت مباشرة فيعني ذلك أنني سأتبع الطريق القديم إلى جدة. أما إذا اتجهت يسارا فسأسلك الطريق السريع. ضحكت كثيرا. إذ يقال إن للحقيقة ألف وجه، يُرى من ألف زاوية. قد يكون لك رأي ولي رأي مخالف، لكن كلانا على صواب. يعتمد الأمر على زاوية الرؤية فقط. في خلافاتنا، الفقهية والفكرية والأسرية، وحتى في وصف الشوارع، نتشنج كثيرا لآرائنا. نعتقد أن ثمة صوابا واحدا فقط، هو ملكية خاصة لنا، رغم أن الرأي المخالف قد يكون صوابا أيضا. لماذا نتشنج إذا؟