بحسب بعض الدراسات التي أجريت على السمنة احتلت المملكة المرتبة الرابعة بين دول العالم، وتجاوزت نسبتها 40 % تنتشر النسبة الأكبر منها بين الأطفال، الأمر الذي يشكل خطورة أكبر على صحة الأجيال المقبلة. اختصاصية التغذية هديل أبو عليا تؤكد في هذا الحوار تطور الوعي في المجتمع السعودي والخليجي، إلا أن العادات الغذائية تحتاج إلى تغير وزيادة في الثقافة الغذائية. ما التصور الذي تشكّل لديك من خلال عملك في مجال التغذية عن المجتمع السعودي والخليجي؟ أعطاني عملي تصورا أكبر عن التغير السريع في النمط الغذائي في المجتمع السعودي والخليجي، الذي لمست فيه نوعا من التناقض، ففي الوقت نفسه الذي نرى فيه زيادة وعي الناس بالصحة والسمنة والمظهر والغذاء، وزيادة نسبة التعلم والثقافة، خاصة بين السيدات والأمهات، هناك ارتفاع في نسبة الأمراض المرتبطة بالغذاء ونمط الحياة، من أهمها السمنة، وخاصة عند الأطفال، ارتفاع الدهون، وأمراض الجهاز الهضمي مثل القولون والحموضة، التي تلعب دورا مهما في التأثير في صحة الإنسان النفسية، فأصبحنا نسمع أكثر عن حالات اكتئاب واضطرابات نفسية، للغذاء ولنمط الحياة دور مهم فيها، وربما ارتفاع القوى الشرائية بين أفراد المجتمع السعودي والخليجي أدى إلى صرف جزء كبير من هذه المدخولات على الرفاهية في الطعام، إضافة إلى الاعتماد على العمالة، الاهتمام بالغذاء ليس فقط بالطعام والمناسبات، ولكن على مستوى حياتنا اليومية، فلم تعد الأم أو الجدة هي التي تطبخ، ولكن يوجد من يقومون بهذه العملية بسبب انشغال الأم بالعمل أو العناية بالأبناء والمنزل والارتباطات الاجتماعية، إضافة إلى أن الناس في المنطقة ما زالوا يعبرون عن عواطفهم بالطعام، فالحب والحزن والفرح والكرم والشكر والرضا، لإيصال جميع هذه المشاعر نعبر عنها هنا بالولائم والعزائم، ولا ننسى أن الروابط الاجتماعية لا تزال قوية، ومعتمدة على الأسر الكبيرة في هذه المناطق، مما يزيد من حجم الالتزامات الاجتماعية، وفي الوقت نفسه العزائم والولائم التي على الشخص تلبيتها ومجاملة الناس بتناول طعام تحتاج إليه أجسامنا أو لا تحتاج إليه. ما مدى تطور الوعي لدى المجتمع بشكل عام في مجال التغذية والاهتمام بالصحة في الخليج؟ هنالك تطور كبير لدى المجتمع بكافة فئاته وشرائحه، حتى أن موضوع الغذاء والحمية والرجيم أصبح من المواضيع المطروقة بشكل كبير في المنتديات الإلكترونية ووسائل الإعلام وأحاديث المجالس النسائية والمجالس الرجالية والشباب في المقاهي والكوفي شوب والجامعات، ولا أعرف في حياتي في الأعوام الأخيرة شخصا يعرف أنني أعمل في مجال التغذية إلا ويبدأ يحاصرني بالأسئلة المتنوعة، كل حسب اهتمامه وحاجاته، فمنهم من يسألني عن تسمين الوجه، ومن يسألني عن تحسين الذكاء ورفع مستواه، ومن يسألني عن الذاكرة، ومن يسألني عن الأغذية الخاصة بالبشرة، وهذا إن دل على شيء فيدل على زيادة وعي الناس بأهمية الغذاء والتغذية في محاربة وعلاج كثير من الأمراض. هل هناك إحصاءات أو دراسات تتحدث عن نسبة السمنة وانتشارها بين الجنسين رجالا ونساء في السعودية والخليج؟ لا توجد إحصاءات دقيقة عن نسبة الإصابة، ولكن هناك عدد من الدراسات التي أكدت أن السمنة في السعودية تمثل 40 % وأن المملكة تعتبر الرابعة عالميا في مجال السمنة، وكذلك يعاني أطفالنا من السمنة بشكل مخيف. انتشار الأندية الرياضية.. هل أثر سلبا في مراكز التغذية الصحية؟ لا، بل كلا النشاطين يغذي الآخر، فغالبا ما تجد أن من يشترك في مركز التغذية تشجعه الاختصاصية على ممارسة الرياضة أو الاشتراك في النادي، كي يساعده على المحافظة على عضلاته من الفقد خلال عملية النزول، وأيضا عمل الرياضة بشكل منتظم يرفع معدلات حرق الدهون، ويعيد تشكيل الجسم بشكل متناسق، ولكن لا يكفي الاشتراك في النادي كي يتخلص الإنسان من زيادة الوزن، المهم المواظبة والذهاب للنادي، فما ألاحظه دائما أن الناس وخاصة السيدات تشترك في النادي، ولكن لا تواظب على الذهاب، أو أنها إذا واظبت عليه خلال فترة الاشتراك بمجرد انتهاء الاشتراك تعود لنمط حياة يفتقد للحركة والنشاط، مما يؤدي إلى ارتفاع الوزن مرة أخرى. وما الفئات العمرية الأكثر إقبالا على مراكز التغذية الصحية؟ أكثر الفئات التي تهتم بين 18 و45 عاما أي بين الشباب والبالغين، وبدأ هنالك تزايد في نسب الأطفال، مع تزايد نسبة السمنة بينهم. العادات الغذائية السيئة في المجتمع الخليجي.. كيف يمكن التخلص منها؟ لن يأتي أحد كي يخلصنا من عاداتنا الغذائية السيئة، فنحن فقط القادرون على تغير ما بأنفسنا، وعلى كل شخص أن يبدأ بنفسه، ويؤثر فيمن حوله، بداية من الأم والأب، عليهم أن يكونوا قدوة للأبناء في عاداتهم الغذائية، وحتى في مجاملاتنا ومناسباتنا لو أصبح الطعام والوليمة ليس المحور الأساسي لهذه الاجتماعات والمناسبات، ولو بدأ كل شخص يوفر الأغذية الخفيفة والصحية في المناسبات، ربما يخجل في البداية، أو يخاف من تعليق الناس، ولكن مع الوقت سنجد أن الناس يحبون تناول الطعام لديه، ويقدرون ثقافته الغذائية، وهذا ما لمسته حقيقة فيمن حولي، فكنت دائما أحرص على توفير اختيارات غذائية صحية عندما أدعو الأهل والأصدقاء، مثل: سلطة الفواكه، والمشويات، والمقبلات، والشوربات الصحية، في البداية كنت أواجه انتقادات، ولكنني بقيت مصرة، وغالبا ما كنت أقول للمراجعين أن الكريم هو من يقدم للناس أفضل الطعام، وأفضل الطعام هو الصحي الذي لا يؤدي إلى التخمة أو زيادة الوزن، ولو أن كل إنسان وكل أم وبيت بدأ بالتغيير، سنجد أن المجتمع كله تغير، ولا بد أن نبحث عن وسائل أخرى للتعبير بها عن كرمنا وحبنا وتقديرنا، بعيدا عن الطعام والإسراف فيه. انتشار المطاعم بشكل مخيف في السعودية هل يعتبر سببا رئيسا في انتشار السمنة وازديادها؟ نعم لعب انتشار المطاعم دورا في ذلك، إضافة للكوفي شوب، والمطاعم السريعة في المجمعات التجارية، فنحن نجد الطعام يحاصرنا في كل محل نرغب في التوجه إليه بغرض الترفية والتسلية، إضافة إلى حجم الدعاية والإعلان المشجع لجميع أفراد الأسرة على تناول الطعام، وغالبا ما نرى الأسرة السعودية أو الخليجية نجوم الإعلانات للمنتجات الغذائية بشكل عام، ولكن ليست المطاعم فقط التي أسهمت في ذلك، فغياب الهوايات، وأوقات الفراغ لدى الكثيرين، جعلت هواياتهم الوحيدة هي التردد على المطاعم، أو تناول الطعام في المنزل والسيارة والسوق والعمل. ما النصائح والإرشادات التي توجهينها لكل من يرغب في إنقاص وزنه والمحافظة على قوام جميل؟ النظام الغذائي الناجح في إنقاص الوزن والمحافظة عليه هو الذي يعتمد على تغيير العادات الغذائية الخاطئة واستبدالها بأخرى صحية، والاستمرار على هذه العادات، حتي بعد الوصول للوزن المطلوب، فتنظيم الوجبات، وتناول كمية كبيرة من الخضار والفواكه، وشرب الماء بدلا من العصير أو اللبن أو المشروبات الغازية عند الشعور بالعطش، وتحديد كميات الطعام بالصحن، ومضغ الطعام، ومحاولة التفكير في كل لقمة قبل تناولها إذا كانت صحية أم لا، ومتابعة الوزن بشكل أسبوعي، إضافة لمئات الأسرار الأخرى التي يساعد الاستمرار عليها في الحفاظ على الشباب والصحة والرشاقة والاستقرار النفسي .