«أمسك أم شوشة لين تجيك المنقوشة»، مثل شعبي وصل توظيفه إلى فرص العمل في القطاع الخاص، ما يجعل المراقب يحتار فيمن يترك وظيفة واعدة في القطاع الخاص بمزايا جيدة إلى أول وظيفة حكومية تعرض عليه، وإن كانت براتب متدن، ووضع وظيفي أقل، وفي أحيان كثيرة ليست في مجال التخصص، وعلى مرتبة وظيفية بشهادة أقل. يبدو لي أن المثل في هذه الحالة معكوس، فالذهنية التي لديها انطباعات مسبقة تفرز مثل هذه المفاهيم، وعند محاورة المستقيل من القطاع الخاص لثنيه عن قراره، تكون المفاجأة بقوله «لا أؤمن بالقطاع الخاص»، وهو أول وآخر جدار يصدمك به، ويكشف لك أن الوظيفة كانت مجرد «تصبيرة»!. الناحية الثقافية في هذا الموضوع تلعب دورا رئيسيا، فموظف القطاع الخاص، ينظر إليه المجتمع على أنه موظف مؤقت، وبعض الأسر تربط قبول راغب الزواج بأن يكون موظفا حكوميا، وكذلك البنوك عند طلب الاقتراض، والشرطة تريد كفيلا يكون موظفا حكوميا، ومكاتب تأجير السيارات، والقائمة تطول. ومن الطبيعي أن تكرس هذه النظرة ثقافة رفض لوظيفة القطاع الخاص، فضلا عن القصص المأساوية التي تسمعها عن موظف القطاع الخاص الذي يعمل براتب زهيد ولساعات طويلة، لكن ب«شخطة قلم» من صاحب العمل فصل من وظيفته، فمالت به الدنيا، ثم تشرد، ولم ينصفه أحد، كأننا نعيش في فوضى وليس لدينا وزارة عمل أو محاكم. هذه الانطباعات السلبية عن الوظيفة في القطاع الخاص، لم تدفع الجهات المعنية فيه إلى تحسين صورتها، حتى أصبح من يثني عليه مجرد استثناء يحفظ ولا يقاس عليه، ومع أنه المستقبل للتوظيف، وحل مشكلة البطالة، والمؤشر المهم لقوة الاقتصاد وتنوعه. التقاعس عن تحسين هذه الصورة الذهنية له تفسير من اثنين، إما جهل القائمين على القطاع الخاص بها، أو سعادتهم بها لأنها تعني استمرار الاعتماد على العمالة الوافدة، وكلا التفسيرين ينتهي بمصيبة.