ضاعفت صافرات أجهزة التفتيش في المحاكم الشرعية معاناة بعض الزوجات المعلقات اللاتي لا تتعدى أحلامهن الفتات لستر حالهن وأبنائهن بعد قصة مريرة من هجران بعض الأزواج. ويبدو أن شعار (دوام الحال من المحال) يدفع الزوج إلى تعليق الأمور بينه وبين من هجرها، مرة لتأديبها بحرمانها من فلذات كبدها، متناسيا أنه “من لا يَرحم لا يُرحم”، وأخرى بقطع فتات العيش عن الصغار ظنا منه أنه الرازق، لتبدأ الأمهات في دوامة الوصول إلى لقب مطلقة، عبر آلات لا تعرف معنى المعاناة، وبوابات لا تتحدث إلا بلغة ممنوع العبور، لينتهي المطاف بهن معلقات لا نفقة لهن ولا مقدرة على الاقتران بآخرين يؤمِّنون لهن الحياة الكريمة، وينتشلونهن من الضياع الأسري؛ الأمر الذي قد يقود إلى مرحلة لا تؤمن عقباها. وإذا كان المجتمع يلفظ المتشردين في الشوارع، فلماذا الإصرار على زيادة أعدادهم عبر بوابات التعليق، وعدم تسريع حسم قضايا الخلع أحيانا والطلاق في أحيان أخرى، فيما القضية الأهم تسمى النفقة على الصغار وإثبات هوياتهم؛ فهل الاستقطاع الشهري أصبح القشة التي تتعلق بها المعلقات لإنهاء أمر نفقاتهن، أم أن هناك من الأمور التي لا يمكن عبرها الوصول إلى غاية الأمهات من النفقة؟ معاناة سيدة أم سامر رغم أنها في العشرينيات من عمرها، إلا أنها وجدت نفسها محمّلة بعبء المسؤولية، بعدما هجرها زوجها منذ ما يزيد على تسع سنوات، لترحل ملقية عبئها وولديها وبنتيها على أمها المسنة القابعة في مسكن شعبي. ومع أن أم سامر ترى أن الحياة قسمة ونصيب، إلا أن ما يرهق كاهلها ذلك الهجران من الزوج، لتصبح معلقة، لا تملك حرية المطلقة، ولا حقوق الزوجة؛ ما دعاها إلى مطالبة الزوج بالنفقة الشهرية؛ لأنها لا تقوى على تحمل نفقات الصغار، خصوصا أن الأوضاع المادية لأمها لا تتعدى المستوى المتوسط، في ظل اعتمادها كليا على راتب الضمان الاجتماعي، الذي يذهب كله على فواتير الكهرباء والماء وأبسط الحاجات وليس كلها. ويبدو أن الحسرة التي ورثتها أم سامر من زوجها أثرت فيها بعدما أنجبت منه العديد من الأبناء، وتقول: “بدأت مشكلاتنا منذ العام الأول، وأعادني إلى منزل والدي الذي كان على قيد الحياة آنذاك، لكن سرعان ما تم الصلح بيننا وعدت إليه زوجة، لكننا لم نعش في بيت زوجية واحد؛ إذ تحجّج بعمله خارج الرياض ليقيم بمفرده، وبقيت مع أبنائي في الرياض، ليأتيني من فترة إلى أخرى، وفوجئت بأنه تزوج بأخرى تعيش معه، ليبدأ رحلة النكران والجحود، وأبقى في بيت والدتي معلقة، حتى إن صغرى بناتي تعد من مجهولي الهوية حتى الآن، في ضوء عدم استخراج وثائق رسمية لها، وهجران والدها، فيما أبنائي الكبرى تدرس الآن بالصف السادس الابتدائي، الولد الأول بالصف الثالث الابتدائي، والآخر بالثاني الابتدائي مهددون بالانقطاع عن الدراسة؛ حيث تلزمهم المدارس بتوفير الإثباتات الرسمية، لكن غياب الأب يحول دون ذلك، فيما لا نملك إلا صور هوية أكل عليها الدهر وشرب”. وإزاء فشل كل محاولات الصلح مع زوجها اضطرت أم سامر إلى اللجوء للمحاكم؛ علها توفر لها ولأبنائها النفقة التي تعينهم على مصائب الحياة، “لجأت العام الماضي إلى المحكمة الكبرى بالرياض، أطالب فيها بإثباتات شخصية لأطفالي ومنحي مصروفا شهريا، يتناسب مع واقع الحياة الحالي، وعندما ذهبت لتحرير الشكوى، رغم أن إجراءات التفتيش عند بوابة الدخول وما تتضمنه من أجهزة أزمتني نفسيا، إلا أنني تجرعت الصبر، مرددة أنه ربما كان في الداخل نهاية لأحزاني، لكن يبدو أنني بدأت المعاناة بشكل آخر؛ إذ أعطاني القاضي تذكرة مراجعة، وكلفني بمتابعة المعاملة حتى يسلم الإخطار للجهة التي يعمل بها زوجي، عبر أحد الأقارب الذي يعمل في مقر عمله، وتأكدت من وصول المعاملة إلى مقر عمله، لكن الأمر تأخر أسبوعا بعد آخر، ولم يأتني الرد، ولم يحسم أمري، وكلما راجعت المحكمة عدت بخفي خنين”. هجرني زوج ال3 وتستعيد أم فرح المهجورة من زوجها، التي سجلت شكوى في نفس المحكمة مطالبة زوجها بإثبات ابنتها رسميا وتوفير مصروف شهري، قصة زواجها منذ ثلاث سنوات؛ حيث تقدم لخطبتها شاب من نفس العائلة يعيش خارج منطقة الرياض، فوافقت عليه، رغم معرفتها من أهله أن له زوجة أولى وأن لديه منها ولدين وثلاث بنات، وفور زواجها وانتقالها معه إلى المدينة التي يعمل فيها، صدمت في الشهر الثاني من الزواج، بأن له زوجة ثالثة دون معرفة أهله، وقالت: “يبدو أنها كانت تسكن في نفس الشقة التي أقيم فيها؛ إذ كان لديها مفتاح ودخلت علي في المنزل بطفلة، وبالاستفسار منها تأكدت أنها زوجته الثالثة التي غابت عن المنزل بسبب ملازمتها لأمها المريضة، لتنفجر المشكلات مع زوجي، ويطردني من البيت، ويجبرني على الاستقرار مع زوجته الأولى، لكنني لم أتحمل بعد ثلاثة أشهر من الصبر ومعاناة الحمل، فطلبت العودة إلى منزل أهلي، فأعادني وتركني عندهم، لأجد نفسي في بيت أهلي منذ عام ونصف العام، فيما طفلتي محرومة من أي إثباتات شخصية”، مشيرة إلى أن معاملتها بطلب إثبات ابنتها ونفقتها الشهرية لم تر النور حتى الآن. نريد الاستقطاع واستبشرت أم سعد عندما سمعت أن وزارة العدل تدرس مقترح “استقطاع راتب الزوج لأبنائه”، في إطار اهتمام الدولة بفئة المطلقات والمهجورات اللاتي تركهن أزواجهن، ولديهن عدد من الأبناء والبنات وليس لهم عائل يوفر لهم جميع حاجاتهم. وبدأت في سرد معاناتها من زوجها الذي تزوج الثانية منذ عامين، بعد إنجابها ابنها سعد (عشر سنوات) وطفلة، فرفضت الخروج من المنزل، فعمد إلى تقليل المصروف شهرا بعد آخر، حتى توقف عن الصرف نهائيا، ثم هجرها، فسارعت بشكوى إلى المحكمة الكبرى بالرياض، وقضيتها لا تزال حتى الآن لم يبت فيها؛ الأمر الذي ضاعف معاناتها من عدم وجود عائل لها ولأبنائها؛ حيث انقطع ابنها عن الدراسة بسبب عدم توافر المصروفات، فيما لا تملك هي سوى الستر. معلقة في المحكمة وتعيش أم محمد في حالة من العزلة النفسية، في ظل تعليقها من زوجها، فيما المحكمة لم تنصفها في شكواها حتى الآن حسب قولها كما تنتابها حالة من القلق، خوفا من أن يخطف زوجها ابنها الوحيد، وقالت: “عشت مع زوجي فترة تصل إلى ثماني سنوات، وفجأة تبدلت الحال، لأعود إلى منزل والدي المسن الذي يعتمد على الضمان الاجتماعي، ويضطر إلى الصرف على ابني في المستشفيات وخلافه؛ ما دعاني إلى تقديم شكوى ضده في المحكمة الكبرى طلبا للنفقة، إلا أن الزوج مارس ضغوطا ضدي وتهديدا بالاستيلاء على الابن، انتقاما مني لرفعي شكوى ضده، لأجد نفسي في معاناة الخوف وضيق الحال ماديا، إضافة إلى أن ابني لا يزال حتى الآن دون إثباتات رسمية؛ ما يحرمه من العلاج المجاني في المستشفيات والمستوصفات الحكومية التي تصر على إثبات الهوية أولا”. تأخير الطلاق مصيبة ويختلف حال أم سعود عن قريناتها؛ إذ إنها بعد زواج امتد 30 عاما، وجدت نفسها معلقة بلا طلاق، ومحرومة من رؤية ابنتيها (15، 13 عاما)؛ ليتزوج بالثانية التي بدأت تضايق ابنتي وتعاملهما أسوأ معاملة، وقالت: “سأبدأ رحلة الدعاوى الرسمية للمطالبة برؤية ابنتي، وسأتمسك بمطالبتي بالطلاق، رغم التعنت الذي يبديه الزوج، فيما القضية دخلت عامها الثاني بلا حسم، في ظل عدم حضور الزوج إلى جلسات القضية، متحججا بأنه يعيش في مدينة أخرى، والسؤال: لماذا التأخير في بت قضايا الطلاق؟ خاصة أنه لا يمكن لامرأة أن تتجه إلى المحكمة لطلب الطلاق من فراغ، إلا إذا كانت متضررة فعلا، وتحتاج إلى من ينصفها ويرد إليها حقها”.