لا يوجد تشريع يعوق ذوي الاحتياجات الخاصة عن ممارسة حياتهم بصورة طبيعية كغيرهم من الأسوياء، وبذلك تترتب لهم حقوق على قدم المساواة مع غيرهم وفي مقدمتها حق الزواج وتكوين أسر يتجاوزون من خلالها إعاقتهم وحبس أنفسهم داخلها، وفي واقع هذه الفئة نماذج فريدة في قدراتها وإمكاناتها تؤهلها للتوظيف والزواج والمشاركة الاجتماعية الفاعلة. قد يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة بعض الظروف التي تنتقص من حقوقهم، ولكنها خارجة عن إرادتهم تماما كإعاقتهم، غير أن النماذج التي تتحدى تلك الإعاقة تجعلها متقدمة على سواها بإرادتها وعزيمتها، على نحو ما يقبل بعضهم على الزواج دون تردد أو تفكير سلبي في حياتهم الزوجية يعطل هذا الحق الطبيعي. وفي حدث عنوانه “التضحية في سبيل جنة الخلد” كان بطلاه العريس الشاب عبدالله بانعمة وهو معاق مصاب بشلل كامل، وفي الطرف الآخر العروس وهي “غامدية” بحسب ما دعا الله أن يرزقه بها كزوجة. وهي صورة من صور التضحية قدمتها هذه المرأة الصالحة الحافظة للقرآن الكريم بقبولها عريسا مصابا بشلل كامل ابتغاء مرضاة الله والفوز بجنته. وهناك من وافق هذا الزواج، وهناك من عارضه، والبعض الآخر شكّك في مصداقية هذه المرأة الصالحة، مشيرين إلى أن هناك سرا خفيا خلف هذا الزواج.. من جانب آخر التقت “شمس” العريس ووالده ووالد العروسة لتقف على تفاصيل الحدث. ادعوا لزوجتي يقول العريس عبدالله عمر بانعمة: “لطالما انتظرت هذه الليلة التي أرى نفسي فيها عريسا، والحمد لله تحققت أمنيتي بالزواج، فروحي لا تزال تنبض بالحب والإيمان، وأشكر الله الذي سخر لي زوجة صالحة”. ويضيف: “حينما وافقت الفتاة على الزواج بي، فهي كانت راغبة بالفعل في شراء الآخرة بتنازلها عن الدنيا من خلال الوقوف على خدمتي ورعاية شؤوني، فلا توجد على وجه الأرض امرأة ترضى بالزواج من شخص معاق ومصاب بشلل كامل إلا ابتغاء كسب الأجر والثواب من الله عز وجل، وأدعو الناس جميعا أن يدعوا لهذه الفتاة وعائلتها على قبولهم تزويجها لي”. تمناها غامدية أما عمر بانعمة والد عبدالله، فيقول: “لم أفرح في حياتي مثل فرحي بزواج عبدالله، وأسأل الله أن يوفقه وزوجته في حياتهما الزوجية، فالله سبحانه وتعالى أخذ من عبدالله وأعطاه محبة الناس”. وعن قصة الزواج، يقول: “زوجته شاهدته في برنامج تلفزيوني سابق، وقالت لأهلها أريد الزواج من عبدالله، وأنا أقول لها “جزاك الله خيرا”، وأتمنى أن يكون قدومها على ابني قدوم خير فهي حافظة للقرآن ومعلمة في تحفيظ القرآن، كما أود أن أقدم شكري لوالد البنت لأنه رجل يخاف الله، ولو لم يكن كذلك ما وافق على تزويج عبدالله وهو بهذه الحالة، وليس كل شخص يقبل به”. ويلفت بانعمة إلى أن عبدالله قبل الزواج ذهب إلى مكةالمكرمة لأداء العمرة ودعا الله عند البيت الحرام بأن يسهل له أمر زواجه، وأن تكون زوجته من قبيلة غامد، واستجاب الله سبحانه وتعالى لدعوته، ويعيش الزوجان الآن معا حياة سعيدة. المهر 30 ألفا من جانب آخر يقول ضيف الله سعد الغامدي “والد الزوجة”: “أولا أحمد الله لتحقيق أمنية ابنتي بالزواج من عبدالله، فهي عندما شاهدته أخذت على نفسها عهدا بألا تتزوج إلا به لأنه سخر نفسه للدعوة، وأحبت أن تعينه على ذلك، وأسأل الله أن يبارك لهما ويوفقهما في حياتهما الزوجية”. وعن طريقة الزواج وارتباطهما معا، يقول: “كانت البدايات عن طريق داعية إسلامية قرّبت وجهات النظر إلى أن تم الزواج والحمد لله، وذلك بعد أن استمرت الخطبة لمدة سنة كاملة ولم نعط الموافقة إلا بعد تفكير عميق، وقد كانت هذه رغبة ابنتي وبمحض إرادتها، ولا نريد لها إلا التوفيق في حياتها وأن تبيض وجهي، وقبل الزواج وجهتها كأي أب تقبل ابنته على الزواج، واستخارت عدة مرات وزارت الحرم واستخارت هناك، فوجدت أن لديها الرغبة في الزواج من عبدالله، ولم يكن أمامي إلا الرضوخ لطلبها والموافقة على عريسها، وأسأل الله أن ينفع بهما دينهما ودنياهما”. ويؤكد الغامدي أنه يشهد الله “أن المهر لم يكن سوى 30 ألف ريال، ويعلم الله لم يدخل في جيبي منه ريال واحد، ولو طلبها عبدالله دون مهر لأعطيته”. ويشير إلى أنه لقي بعض المعارضة من أقاربه، غير أنه بين لهم أنه لو كان ارتباط ابنته من هذا الرجل سيجلب لهم العار والخزي فسيكون أول الرافضين له، ولكن إذا كان الرجل حسن الخلق ويخاف الله فسيقبل به زوجا لابنته. واستشهد الغامدي ببعض الزيجات التي لم يكتب لها النجاح بسبب إرغام الأبناء والبنات على الزواج دون أخذ موافقتهم فكانت النتيجة فشل الزواج. دلالة محبة من جهة أخرى قال الشيخ الدكتور راشد الزهراني، داعية إسلامي: “أتقدم بالتهنئة إلى العريس والعروسة وجميع أقاربهما، ونقول بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير، ولعل من الأمور التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يبدأ زواجهما بجمع غفير من الناس، وهذا دلالة على محبة الناس لعبدالله، فكلهم يدعون لهما بالخير والبركة، ولعل بداية الزواج بهذه الدعوات المباركة تكون خيرا لهما”. ويضيف: “وأتقدم بشكري للعروسة ووالدها بقبولهما بزواج عبدالله، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه”، فقد تركت هذه البنت زينة الحياة الدنيا وزخرفها مقابل زواجها من عبدالله راغبة في الأجر والمثوبة من عند الله الذي وفق عبدالله في الزواج من هذه المرأة الصالحة، وهي من نعم الله سبحانه وتعالى على العبد، فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: “ثلاث من السعادة.. وذكر منها المرأة الصالحة”. السعوديات متخوفات تجربة بانعمة التي أنعم فيها الله عليه بزوجة صالحة، تقدم إشارات خضراء لكل معاق، وتمنحه الأمل في أن يتزوج وينجب ويكوّن عائلة، دون أن ييأس في طلب ذلك. يقول سمير عبد ربه الذي يعاني إعاقة حركية وهو موظف حكومي (30 عاما): “أتمنى أن يأتي اليوم الذي أنعم فيه بزوجة وأبناء صالحين، فمن حقنا كمعاقين أن نتزوج ونبني أسرة ومستقبلا، فقد تقدمت إلى أكثر من أربع أسر لطلب الزواج منهم، ولكن للأسف لم أوفق في الظفر بزوجة، وكان الرد من قبلهم متفاوتا، فمنهم من كان رده أن البنت تريد أن تكمل تعليمها، ومنهم من قال إن ابنتهم صغيرة على الزواج، فتعددت الأسباب والرفض واحد. ويشير عبد ربه إلى أن البنات السعوديات متخوفات من الاقتران بذوي الإعاقة لأنهن، من وجهة نظره، ليست لديهن القدرة على تحمل المسؤولية والمعاق، ويضيف: “أحمّل الأسر المسؤولية في ذلك، فلابد أن يكون لها دور إيجابي في هذه المشكلة، وتقنع بناتها بأن الزواج من معاق أمر طبيعي ولا يحتاج إلى التهويل الذي نسمع عنه، بل الأدهى من ذلك أن هناك بعض الأسر ترفض الشخص السوي عندما يتقدم إليهم بحجة أن في أسرته شخصا معاقا، فما بالك بنا نحن المعاقين؟”. ويرفض عبد ربه فكرة الزواج من امرأة معاقة لأنه بعد الزواج تكون هناك مشاق عديدة يتكبدها الاثنان معا، وذلك خلاف وجود أبناء معاقين بالوراثة، لا سمح الله. أمل جديد أما طارق سلامة، الموظف الذي يعاني إعاقة حركية (30 عاما)، فيقول: “أصبح الزواج بالنسبة إلي حلما طالما راودني، وبحثت عن هذا الحلم في كل مكان علني أجد ضالتي بعروس تقبل بي وبوضعي، ولكن إلى الآن لم يتحول الحلم إلى حقيقة، وأسأل الله أن يعينني على تحقيقه، فقد تقدمت إلى عدة أسر أولها أقرباؤنا، ولكن كان الرفض هو الجواب المشترك لجميع من تقدمت إليهم، فللأسف أن مجتمعنا لا يقدر وضع ذوي الإعاقات، الذين من حقهم أن يكون لهم أسر ويشاركوا الأسوياء هذه الحياة”، ويشير سلامة إلى أن هناك جهلا كبيرا من بعض الناس وهو أنهم لا يدركون أن المعاق بإمكانه الزواج وإنجاب أبناء مثل غيره من الناس، ويقول: “من المواقف الطريفة التي مررت بها أنني عندما تقدمت إلى إحدى الأسر سألني أبو الفتاة كيف تستطيع ممارسة حياتك الزوجية وإنجاب أطفال، وأنت مصاب بإعاقة حركية، وهذه دلالة واضحة على أن هناك من يجهل قدرتنا على الزواج، وكأننا نعيش ليعطف علينا الآخرون”. ويضيف سلامة أن زواج الداعية عبدالله بانعمة جدد فينا الأمل مع أن زواجه يعتبر استثنائيا.