اعتبر مفسر الرؤى الشيخ عادل الحوالي أن تعلم تفسير المنامات يعد أمرا ممكنا ومتاحا وفق ضوابط وقيود.. مخالفا في ذلك عددا كبيرا من مفسري الرؤى الذين يرون عدم إمكان ذلك، على اعتبار أنه فضل من الله يؤتيه من يشاء، ودافع الحوالي عن رأيه بالاستشهاد بآراء علماء سابقين، كما فتح الحوالي الباب على مصراعيه أمام المرأة لتكون مفتية.. لكن في علم التعبير، مؤكدا شرعية ذلك، وعدم ورود ما يمنع، الحوالي تحدث عن عالم الرؤى وتفسير الأحلام.. في الحوار الآتي: تعلم تعبير الرؤى ممكن ووارد، لكن بضوابط وقيود، والمتأمل في النصوص الواردة، وكلام السلف يصعب عليه الوقوف على قاعدة مطردة في جميع الرؤى عندهم، كأن يقال من رأى كذا وكذا فتفسيره كذا، وهناك جملة من القواعد التي وضعت لهذا العلم الشريف بالاعتماد على القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، يقول الحافظ بن حجر في الفتح: “من لم يتدرب على علم الرؤيا والتعبير، فلا يشرع له أن يعبر الرؤيا”، فعلى طالب علم التعبير أن يخوض في ثنايا كتب أهل العلم ليعرف القواعد والأصول التي وضعت على أساس متين. * كيف يمكن التعامل مع القواميس الموضوعة في تفسير الأحلام التي يلجأ إليها الكثير من الناس؟ القواميس الموضوعة لا يخلو بعضها من الكلام، والاعتماد عليها مطلقا في التأويل لا يجوز شرعا، كما قال بعض أهل العلم، وذلك لاختلاف التعبير من شخص إلى آخر، وقد حكى الشهاب العابر في كتابه (البدر المنير) أوجه الاختلاف المعتبرة في توجيه الرؤى، وإنزال ما تتضمنه هذه الكتب على رؤى الناس كلهم بطريقة واحدة، مما ثبت بطلانه، فلا يصلح أن يمسك القاموس، معتمدا عليه دون مراعاة قواعد التعبير، فإن هذا مخالف للقوانين التي أرادها من وضع هذه القواميس من أهل العلم، وبعض هذه الكتب يستفيد منها في المقام الأول المعبر؛ ليتعرف على مساحة أوسع في توجيه الألفاظ وتعدد معانيها، كما أن بعضها احتوت على أصول التعبير وطرقه وقواعده، ولبيان عدم صلاحية الاعتماد على هذه الكتب مطلقا أضرب مثلا واحدا، فقد يرى الشجاع والجبان الأسد في المنام، فكيف يحق لنا أن نصف الجبان بالشجاع إذا رأى الأسد؟ وعلى ذلك القياس. * إذا فسرت الرؤيا فهل تقع بمجرد التفسير أم لا يشترط ذلك؟ قال عليه الصلاة والسلام: “إن الرؤيا تقع على ما تعبر.. الحديث”، وقال عليه الصلاة والسلام: “الرؤيا على رجل طائر، ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت”، بمعنى أن الرؤيا تقع على ما تعبر، إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا ولو على وجه ليس خطأ محضا، وإلا فلا تأثير لها، كما قال ذلك أكثر من واحد من أهل العلم، وأشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري في صحيحه بقوله: “باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب”، فالشرط إذن أن تحتمل الرؤيا التعبير؛ ولذلك وجب على السائل أن يقصد في سؤاله أهل التأويل لا الجهلة والمتعالمين، فقد تفسر بأمر مكروه تحتمله الرؤيا فيقع، لكن العالم بالرؤى، وتفسيرها ربما يظهر له أوجه عدة للرؤيا فيحملها على أحسنها. * هل للرؤيا وقت مفضل؟ لم يثبت في السنة ما يدل على اعتبار أثر الوقت في صدق الرؤيا أو صلاح تعبيرها، وقد أيد هذا جمع من المعبرين، أما ما ورد في فضل بعض الأوقات فقد ضعف إسنادها جمع من أهل العلم، وبعضها أحاديث مكذوبة، وإن كان بعض أهل العلم قد اعتبر الوقت كالبغوي والقادري، لكنه يفتقر إلى النص. * يتحرج البعض من قص الرؤيا على المعبر فهل يشرع النيابة في ذلك؟ لا بأس أن ينيب الرائي غيره، كما قص ابن عمر رؤياه على أخته حفصة رضي الله عنهم، قال ابن حجر بعد ذكره حديث ابن عمر: “وفيه مشروعية النيابة في قص الرؤيا”، كما أفاد الحديث أن بعض الرؤيا لا تحتاج إلى تفسير إذا جاء تفسيرها في المنام، كما في هذا الحديث، فقد اكتفى الرسول عليه الصلاة والسلام بما جاء فيها ولم يزد عن قوله: “نعم الرجل عبدالله، لو كان يقوم من الليل”. * يلجأ البعض إلى الكذب في المنام لدوافع معينة.. فما حكم ذلك؟ جاء الوعيد في أحاديث عدة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: “من تحلم كاذبا، دفع إليه شعيرة وعُذّب حتى يعقد بين طرفيها، وليس بعاقد”، وقال الإمام الطبري يرحمه الله: “اشتد الوعيد فيمن يكذب في المنام؛ لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين”، فينبغي الحذر كل الحذر من هذا الوعيد الشديد. * هل كل الرؤى والأحلام يمكن تعبيرها؟ وما الضابط في ذلك؟ بالتأكيد ليس كل ما يرى في المنام يعبر؛ وذلك لأن البعض منها يكون من الشيطان، أو مما يحدث الإنسان بها نفسه، قال عليه الصلاة والسلام: “الرؤيا ثلاثة، رؤيا بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا يحدّث الإنسان بها نفسه، فيراها في النوم”، وقد ذكر الكرماني في كتاب (الكبير): “الرؤيا ثمانية أقسام، سبعة منها لا تعبر، وواحدة فقط تعبر، والسبعة “أربعة منها نشأت عن الأخلاط،.. والخامسة: ما هو حديث نفس، والسادسة ما هو من الشيطان، والقسم السابع ما كان فيه احتلام، أما الثامن فهو الذي يجوز تعبيره”، وهو ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ، فيرى في المنام، فهذا صح النقل في تعبيره، وهو الذي اختاره ابن العربي في كتابه (أحكام القرآن)، وهي الرؤيا التي تكون بها الرموز والإشارات الدالة على أمر ما، فأمثال هذه الرؤيا يجتهد المعبر في تفسيرها والاستعانة بما نيط بها من رموز وعلامات. * هل هذا صحيح أن النساء أكثر من يطلب تعبير الرؤى؟ نعم. بالتأكيد، وأظن أن السبب يتعلق بكون النساء بشكل عام لا يجدن من يعبرن له عما يعترض لهن، على عكس الرجال الذين يجدون في الغالب من يستطيعون التعبير لديه، كما أن المرأة بطبعها تبحث عن الحديث بما في داخلها، ومن ثم تسعى حثيثا للسؤال عن ما رأته بعكس الرجل الذي قد لا يجد بعض الرؤى مثيرة لاهتمامه، ومن ثم هو لا يسأل عنها. * نسمع أحيانا عن بعض النساء أنهن يمتهنّ التعبير ويصبحن معبرات كيف تفسر ذلك؟ قال عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد وغيره: “النساء شقائق الرجال”، أي أنهن مثيلات الرجال، إلا فيما استثناه الشرع كالإرث والشهادة وغيرهما، فلم يثبت شرعا ما يمنع ذلك، وأما عقلا فما الذي يمنع المرأة إذا اجتمع فيها من الصفات ما يجتمع في غيرها من الرجال، وقد ذكروا في أسماء ابنة أبي بكر الصديق أنها كانت من المعبرات، وأخذ ابن المسيب عنها، وقد أعانت عمر بن الخطاب على تأويل رؤياه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “عن علي بن أبي طالب القيرواني وهو من أئمة التعبير: “أن النساء في هذا الحكم كالرجال دونما تفريق”، وأما ما يحتج به البعض بحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: “نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن تقص الرؤيا على النساء”، فحديث موضوع لا يصح.