في أحد مجالس العزاء، تقدم الجار المتكفل بتقديم الوجبة للمعزين المتوافدين من كل مكان لتأدية واجب العزاء لجاره قائلا: “تفضلوا على غدائكم الله يحييكم والله انها الساعة المباركة!”.. ولم تكن (الساعة المباركة) هفوة وحسب بقدر ما هي برمجة لفظية تعودها عند الضيافة، وهذه البرمجة امتدت إلى طريقة تقديم الوجبة التي كانت عبارة عن وليمة تتكون من عدة مفاطيح، وهكذا تحولت مظاهر العزاء إلى احتفالية غير مقصودة برحيل المرحوم تنافس فيها الجيران والأصدقاء على مدى ثلاثة أيام، ولكم أن تتخيلوا لو كان المتوفى سيعلم كم عدد الخراف التي ستذبح لرحيله، وعدد كلمات الترحيب المصاحبة التي وصلت إلى وصف ساعة العزاء بالساعة المباركة. هذا ما يحدث في بعض مجالس العزاء حينما يجتهد المضيف في المبالغة في إعداد الوليمة للمعزين دون أن يفرق بين مناسبة وأخرى، متناسيا أن موائد العزاء يجب ألا يكون فيها تكلف وحفاوة زائدة؛ وذلك مراعاة للشعور العام لحدث الوفاة واحتراما للمتوفى وإظهارا للحزن على رحيله أمام أهله الذين قد يضايقهم تحول عزائهم إلى مناسبة ضيافة يتنافس جيرانهم على تقديم موائدها، وهو ما يناقض دواعي الاجتماع الذي انعقد للمواساة وجبر الخواطر والمساندة النفسية لأهل المتوفى.