رحلتنا هذه المرة كانت مع الشاب عبدالسلام، المكنى بأبي عمر الفرنسي، الذي أسلم قبل عشرين عاما، بعد رحلة بحث طويلة، تنقل فيها من فرنسا حتى وصل أمريكا، ومن كندا إلى بريطانيا، كل ذلك ولم يجد الإسلام، حتى ركب يوما البحر، فوجد الإسلام على ظهر السفينة ونطق الشهادتين، وكانت المرة الأولى التي يرى فيها القرآن الكريم. التقينا بالشاب عبدالسلام، الذي يعمل حاليا داعية في مكتب الدعوة والإرشاد بجدة، فكان لنا معه هذا الحوار الرائع: - لو تعطينا نبذة عن الثقافة الفرنسية.. قبل الحديث عن الإسلام؟ فرنسا بلد ملحد، ومناهجها الدراسية من قديم الزمان لا يدرس فيها أي شيء عن الدين أبدا، وغالب البيوت الفرنسية لا تتدين بأي دين، وعندما كنت صغيرا لم أكن أعلم أن هناك خالقا خلق كل شيء، وكنا نفكر كما يفكر آباؤنا، حيث غرسوا فينا أن (الكون هذا وُجد بالصدفة). - وكيف تصف لنا حياة الفرنسيين هناك؟ إذا نظرتم إلى غير المسلمين، ينبغي أن تنظروا إليهم نظرة الرحمة والرفق، صحيح أنهم يملكون كثيرا من ملهيات الدنيا وملذاتها، لكن هم في الحقيقة مساكين ولا يملكون أي شيء. وتساءلت مع نفسي عدة مرات: كيف وجد هذا الكون كله بالصدفة؟ فالنظر إلى الخلق والطبيعة والسماء والجبال، كل ذلك يؤكد أن هناك خالقا له، وكنت وقتها أبحث عن كتاب صغير يعلمني كيف وجد هذا الكون، فوجدت كتابا فلسفيا يفسر وجود بعض الظواهر الطبيعية برؤية غربية. - هل وجدت فيه مبتغاك؟ وجدت إجابات لكنني لم أجد فيه ما يدل على الخالق سبحانه وتعالى، وكلما تقدمت في العمر حدثتني نفسي لمعرفة الكثير عن هذا الخالق، الذي لم كنت لم أجد له طريقا حتى ذلك الحين. - هل كنت أنت وحدك الذي يتساءل عن وجود الخالق، أم هو حال الشباب من حولك؟ هذا حال غير المسلمين جميعا، والغربيون لا يمتلكون شيئا سوى الماديات فقط، لكن المسلم لو كان فقيرا أو مريضا، رفع يديه إلى السماء ودعا ربه، أما غير المسلم إذا لم يكن عنده شيء من الدنيا فسيضيع. وقد بحثت في شبابي عن سبب وجود هذا الكون، فما وجدت إجابة في كتب الفلسفة الغربية تدلني على ذلك. - وماذا فعلت بعد ذلك، هل استسلمت؟ أنا كنت في فرنسا، ثم سافرت إلى أمريكا لأكمل دراستي في ولاية كاليفورنيا، وبعد وصولي وجدت شعبا يختلف عن الشعب الفرنسي؛ لأن الأمريكيين كلهم يؤمنون بالخالق وديانتهم النصرانية، ويعلمون أبناءهم وهم صغار أن هناك خالقا لهذا الكون، وكان هذا الأمر بالنسبة إلي شيئا جديدا. - وهل أصبحت مثلهم؟ هذا الأمر جعلني أمكث أكثر في أمريكا، وبسبب الاحتكاك بالشعب الأمريكي بدأت أفكاري تتغير، وخطر في نفسي أنه يمكن أن يكون هناك خالق ولكن لا أدري من هو. وكان عمري آنذاك 20 عاما. - واعتقادك بوجود الخالق، هل شجعك على البحث أكثر؟ كنت أخرج من المدينة كل أسبوع إلى منطقة الخلاء بنفسي، وأجلس هناك 3 أيام، وأتأمل الأشجار والجبال، فالعيش داخل المدينة كل شيء فيه من صنع المخلوق، لكن عندما تمشي في الطبيعة تتيقن أن هناك خالقا أوجده، ففكرة وجود الخالق بدأت تدخل في عقلي، لكن تربيتي في البيت والمدرسة جعلتني أتوقف عن إثبات ذلك، حتى تعبت من البحث عن الخالق. - هل كنت تسأل الناس أم تكتفي بالبحث بمفردك؟ لم أسأل أحدا، بل كنت أتأمل بنفسي في المخلوقات والكون، الله عز وجل خلق الإنسان وأعطاه الفطرة، وكل محاولاتي باءت بالفشل، لا بالكتب ولا بالتأمل في الكون ولا غير ذلك. وفي يوم من الأيام وجدت قلبي خاليا، فقررت ألا أعيش، فلماذا أعيش؟ - هل حاولت التخلص من حياتك؟ فكرت ألا أعيش، لكني لم أفعل شيئا، في النهاية كنت جالسا في بيتي وقلت: “يا خالق إذا أنت موجود أعطني برهانا يدلني عليك”. فسافرت من لوس أنجلوس إلى نيويورك لأبحث عن كتاب يدلني على “لا إله إلا الله”، وكان كل شيء حولي يدلني على ذلك، ولكن البيئة والتربية كانت تحول دون ذلك. وعندما وصلت إلى نيويورك لم أجد شيئا، وكنت جالسا في الباص وبدأت أبكي بكاء شديدا، ولم أتوقف عن البكاء حتى توقف الباص، فخرجت من الباص ونمت على شاطئ البحر من تعب البكاء، ولم أستيقظ إلا على حرارة الشمس، وأول فكرة خطرت على بالي بعد الاستيقاظ أنه يوجد هناك خالق. - لماذا حصل ذلك؟ لا أدري، جاءتني سكينة في قلبي، لا أدري كيف حصل ذلك، فآمنت وقتها بوجود الخالق، لكني افتقدت الدين، فصرت أدعو الله في كل وقت ولم أكن أملك غير ذلك، ومكثت على هذه الحالة قرابة سنة كاملة، بعدها عدت إلى الجامعة، وأصبحت حينها مهيأ لاستقبال أي إنسان يؤمن بالخالق، فقابلت نصرانيين وكان عندهم أسلوب قوي في الدعوة، فمشيت معهم إلى الكنيسة، وبدأت أدرس الإنجيل. - هل يعني ذلك أنك تنصرت؟ نعم، وانتظمت معهم فترة، لكني اختلفت معهم عندما اكتشفت تناقضاتهم، فمرة يقولون: إن عيسى ولد الله، ومرة يقولون: إن عيسى هو الله، مما سبب لي شتاتا وتساؤلات طرحتها عليهم، ولم أجد منهم أحدا يقنعني بذلك، فتوترت علاقتي بهم، ثم إني استغربت من وجود أكثر من إنجيل، فقرأت كل كتب الإنجيل فوجدت فيها اختلافا كبيرا، فتركت الكنيسة. - وأين رحلت بعد ذلك؟ بعد أن تركت الكنيسة سألت الخالق الواحد: “يا رب أعطني الكتاب الحق”، وبعد أسبوع سافرت وعندي اعتقاد أن الأمور تتيسر بالسفر، وقررت أن أبدأ البحث من جديد، فسافرت من أمريكا إلى كندا، ومن كندا إلى بريطانيا، ثم عدت إلى مرسيليا، فوجدت أخي يريد السفر بالسفينة إلى جنوب أمريكا، فقررت السفر معه، وقلت في نفسي: “إن لم أجد الكتاب على الأرض فربما أجده في البحر” وصرت أتأمل منظر البحر والأمواج، وازداد يقيني أن لهذه الطبيعة خالقا واحدا. ونحن على متن السفينة قبل أن نصل إلى الجزيرة توقفت السفينة من أثر حجر، فجاءنا رجل وقال لنا: “الخالق هو الذي أوقفكم هنا، الخالق هو الذي سينجيكم من هذا المأزق”. فجلست معه ونحن عالقون وشربنا الشاي، وبدأ يكلمني عن الخالق وعظمته وقدرته على فعل الأمور، فشدني كلامه كثيرا، وبعد فترة وجيزة تحركت السفينة. وقرر أخي الرحيل في اليوم الثاني، وأنا قررت أن أجلس مع هذا الرجل ويدعى (عبدالله)، لعلي أجد عنده إجابة عن تساؤلاتي. - وهل وجدت ما كنت تريده خلال حوارك معه؟ كان أغلب حديثنا عن الخالق، فكان يتحدث وأنا أسمع له، وبدأت أسأله وهو يجيب، فتعلمت أشياء كثيرة عن الإسلام خلال أسبوع، إلى أن اقتنعت بهذا الدين وبهذا الإله، فسألته: ما هذا الكتاب الذي تتحدث عنه؟ فأخرجه لي من داخل صندوق معه، وكان هو القرآن الكريم، وكانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها القرآن، فطلبت منه أن أقرأ فيه، فأخبرني أن علي الاغتسال، فاغتسلت وفتحت الكتاب وبدأت أقرأ في سورة المائدة، فآمنت أن هذا الكتاب هو الكتاب الحق. - كل هذا ولم تسلم بعد؟ بعد أن قرأت في القرآن عرفت أنه يتوجب علي أن أسلم، فأخبرت عبدالله أنني أريد الإسلام، فتعجب. - هل كان يقنعك بالإسلام خلال حديثك معه؟ لا، فقط كنت أسأله وكان يجيبني، فتفاجأ من إعلاني للإسلام، وكان إصراري على الإسلام؛ حيث نطقت الشهادتين، وأعلنت إسلامي في عرض البحر. وبعد أن أسلمت ودعت عبدالله وارتحلت إلى برشلونة من أجل أن أتعلم تفاصيل الإسلام بالكامل، وبعدها رحلت إلى فرنسا ودخلت بيت أمي وأخبرت أمي أنني أسلمت، فبدأت أبحث بعدها عن المسجد، فبحثت ثلاثة أيام ولم أجد مسجدا، فدلني أحد القساوسة على المسجد، فدخلت ووجدت إمام المسجد وأخبرته أنني مسلم جديد، فاحتواني وعلمني تفاصيل الإسلام، وأعطاني كتابا يعلمني الإسلام مع بعض الأدعية وبعض السور القصيرة، والحمدلله.