تعتبر المحطات التلفزيونية الفضائية والأرضية شهر رمضان المبارك، موسما رائجا لإذاعة المسلسلات وبرامج التسلية التي أعدتها خصيصا لهذا الشهر المبارك، بحيث تشغل أوقات المؤمنين صباحا ومساءً.. حتى وصل عدد المسلسلات التي تم إعدادها وبدأت القنوات عرضها هذا العام، إلى 157 مسلسلا في القنوات الفضائية العربية، بنسبة تصل إلى نحو 75 في المئة من العدد الإجمالي لمسلسلات العام كاملا. مخالفات شرعية ولا تكمن المشكلة في هذا الاستهلاك الكبير لأوقات المسلمين عبر إشغالها بهذه المواد الترفيهية فحسب، بل في الجرعات الزائدة من المخالفات الشرعية التي تحتويها هذه البرامج والمسلسلات، الأمر الذي دفع المفتي العام في السعودية سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، إلى انتقاد هذا التوجه الفضائي، واصفا المسلسلات بأنها تروّج للأخلاق السيئة. هذا الانتقاد جاء بعد انتقاد سماحته الشهير للمسلسلات التركية التي تذيعها إحدى القنوات المملوكة لرجال أعمال سعوديين، باعتبارها تروّج للانحلال الأخلاقي، وتدعو إلى التحلل من مكارم الأخلاق. تجرح الصيام ويعرب الدكتور علي بن حمزة العمري، رئيس جامعة مكة المفتوحة، عن عتبه الشديد على القنوات الفضائية التي تعرض مسلسلات غير لائقة خلال شهر رمضان المبارك، ويقول: “رمضان فرصة للتغير إلى الأفضل، فهو مليء بالروحانيات والإيمانيات، غير أن مثل هذه المسلسلات قد تسيء إلى من يشاهدها وتجرح صيامه وعبادته، وتبعده عن هذه الأجواء الروحانية”. كما أوضح العُمري، أن فرصة شهر رمضان لا تتكرر على مدار العام إلا مرة واحدة، فاستغلالها بهذا الكم الهائل من المسلسلات والملهيات أمر في غاية الاستخفاف بالشهر الكريم. وأشار العمري إلى أن رمضان يعد شهرا مقدسا عند المسلمين، وله خصوصية وتأثير لدى المؤمن، الأمر الذي يستلزم مراعاة هذا الجانب لدى المتلقي من القنوات، والمنتجين للبرامج الفضائية أيضا. منوها إلى أن كثيرا من الفضائيات العربية في رمضان تمطر الجمهور بالمسلسلات والبرامج الرمضانية التي تلهي الشباب عن العبادة وقراءة القرآن الكريم. حاجات الشباب وفي السياق ذاته، انتقد العمري توجه القنوات الدينية في خطابها إلى الشباب، وقال: “برامج الفضائيات الدينية حتى الآن لم تواكب متطلبات الفئة الشبابية”، مشيرا إلى أن هناك نقصا حادا وواضحا تجاه إنتاج مثل هذه البرامج، مقارنة بحاجات الشباب. وذهب العمري إلى أن البرامج الموجهة إلى الشباب هي من أكثر البرامج فعالية وتأثيرا؛ نظرا إلى أن شريحة الشباب هي الأكثر حيوية ومشاركة وإحداثا للتغيرات والظواهر في المجتمع بشقيها الإيجابي والسلبي، واستدرك: “إن كان ولا بد من وجود برامج فضائية خلال شهر رمضان فعليها على الأقل أن تكون موجهة إلى ما يخدم الشباب في الاستفادة من هذا الشهر الكريم”. وقال العمري بخصوص موقف الشباب المسلم من هذه الفضائيات: “قبول القنوات الهادفة، والجادة والمفيدة مطلب رئيس، وفيما يتعلق ببرامج الإثارة والحركة التي يتابعها كثير من الشباب؛ بحجة رؤية الجديد في معالجة القضايا وتلقي الخبرة والتجربة والاستفادة منها”. وأشار العمري إلى أن من يعتقد أن متابعة تلك البرامج تطور من مهاراته فسيعيش سنوات عمره لا يعرف الفرق بين الاهتمام والهواية، حيث إن الممارسة والدخول في الصنعة هما اللذان يطوران الإنسان، وليس مجرد المتابعة. تنافس مريض من جانبه، انتقد الدكتور عادل باناعمة، إمام وخطيب جامع الفاتح بجدة، التنافس الشديد بين القنوات الفضائية خلال شهر رمضان، وقال: “هذا التنافس المريض بين القنواتِ في بث البرامج غير اللائقة في هذا الشهر الكريم ظاهرة يجب أن تحارَبَ بكل ما يمكن قولا وفعلا”، مشيدا بجهود القنوات الهادفة في تقديم البدائل النقية، واعتبرها عملا مشكورا مبرورا. وأوضح باناعمة، أن هناك نوعين من المسلسلات التي تعرض في الفضائيات، فهناك مسلسلات تطفح بالمخالفات الشرعية على مستوى الشكل في ظهور النساء المتبرجات، شرب الخمر، مشاهد الخلوة وما قد يتلوها من قبلات وأحضان. وأضاف باناعمة، أنه على مستوى المضمون هناك ترويج لقيم فاسدة، وتشويه لأحكام أو رموز دينية، ومجاهرة بالرذيلة. وقال: “إن هذا النوع ينبغي الانصراف عنه في غير رمضان، فكيف في هذا الشهر المبارك؟”. وأشار إلى أن متابعة هذه المسلسلات مناقض لمفهوم الصيام وغايته؛ إذ فلسفة الصيام قائمة على كفِّ النفس عن الشهوات، حتى ما كان منها في الأصل مباحا؛ امتثالا لأمر الله. ابتلاء وقال باناعمة: “لعل من ابتلاء الله للعبد في دينه أن ينشغل بمثل هذه المسلسلات في شهر كريم يقرع الناس فيه أبواب السماء؛ طلبا للرحمة والرضوان”. وأشاد باناعمة بالنوع الثاني من المسلسلات التي تحرص على التزام الأحكام الشرعية، بحيث لا تكاد تجد فيها من وجوه المخالفة إلا ما يُعدّ في باب الخلاف الفقهيّ كالموسيقى أو ظهور المرأة المحجبة بغير زينة ولا ابتذال، ونحو ذلك. وأضاف، أن بعضها يخلو من كل ذلك. وقال: “لو نظر الشخص إلى أصل حكمِهِ، عند من يرى جواز مكوناته، فإنه يسعُ المرءَ أن يشاهِدَهُ في رمضان كما يسعه أن يشاهده في غيره. وأوضح، أنه لا حرج عليه مطلقا، على ألا يبلغَ به الأمرُ أن يُضيعَ يومه كله أو جلّه في تتبع هذه الأمور، وعلى ألا يكون سببا في تركه لفريضة أو واجب. ورأى باناعمة، أن التماس معالي الأمور في هذا الشهر الكريم والمبالغة في اغتنام الوقت، والضَّنِّ بساعات رمضان واستغلاله في قراءة القرآن أو الذِّكر والصلاة هو الأولى بالمرء المسلم.