تنشط هذه الأيام المكاتب السياحية، وهو موسمها، في جذب كثير من الناس لخدماتها.. تنشر إعلاناتها حتى نكاد نتعثر في كميات أوراقها المنثورة فوق الأرض وعلى الجدران، في كل مكان.. وقد تصم آذاننا من تكرار إعلاناتها، عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. ليس مهما ما تقوم به تلك المكاتب؛ فهذا عملها.. لكن المهم هو كيف يظهر السائح السعودي خارج وطنه؟! في هذا التحقيق نحاول أن نتعرف على ثقافة (السائح السعودي) المسافر خارج الوطن.. ماذا يريد؟ وأين يذهب؟ وهل يستند في سفره إلى ثقافة سياحية تؤهله للحصول على ما يعرف بالفوائد السبع؟! أوسع صدري في البداية التقينا نواف الحمود، الذي يعيش في بريطانيا للدراسة، ويقول: “هنا في لندن حيث أقيم ألتقي أحيانا شبابا سياحا سعوديين طبعا، في فصل الصيف، لكنني، والله، أستغرب منهم؛ فهم يعرفون أماكن (LOW CLASS )”. ويضيف: “أنا لي سبع سنوات هنا، لم أسمع بها من قبل”. ويتساءل: “شبابنا مكتشفون جيدون يا صديقي”. ويذكر: “حينما تطلب من أحدهم أن يذهب مثلا لزيارة متحف، يقول لك (أنا جاي لندن أوسع صدري)”. ويتساءل مرة أخرى: “واشلون يوسع صدره.. الله أعلم؟!”. ويختم نواف رأيه قائلا: “فعلا لا توجد ثقافة سياحية لدى كثير من مرتادي السفر خارج الوطن العربي”. رسالة عتاب ويقول خالد القحطاني: “السائح السعودي خارج وطنه، خاصة في بلاد الغرب، ينجرف نحو كل ما يراه بلا تفكير في العواقب”. ويضيف: “حينما تسأله لماذا فعلت كذا، أو سلكت هذا الطريق؟ يرد عليك ببلاهة: أريد أن أجرب كل شيء!!”. ويوضح أن “الشيء الجميل هو أن الكل لا يتجه إلى هذا الاتجاه، بل فئة قليلة مريضة”. ويوجه القحطاني رسالة عتاب إلى كل سائح عربي كتب في جواز سفره (مسلم)، ويقول: “تعرف الجمال والحلال وتذهب إلى مستنقع الرذيلة، تعرف مواطن الحب والمتعة الحقيقية فتسعى إلى المتع الزائفة الزائلة!!”. نايت كلاب! ويتحدث محمد مازن عن تجربته ويقول: “كنت بمقهى مشهور هو (روبسون ستريت) بمدينة فانكوفر في كندا، أتحدث مع أحد الأصدقاء بصوت مرتفع، فقاطعنا أحد الأشخاص بالعربية (الإخوة عرب؟) فجاوبته بابتسامة، فالعربي يحن عند سماع صوت أخيه: نعم يا ابن العم”. ويضيف: “قال اسمي خالد من العراق وأعيش هنا منذ 15 سنة.. وأنتم؟”.. فأخبرته بأني محمد من السعودية.. فقلت: “يا أخ خالد نحن لا نعرف البلد، فبماذا تنصحنا، في إجازتنا؟”.. فأخبرنا بأن هنالك (نايت كلاب) ممتازا مملوءا بالعرب!. ويقول: “قلت في نفسي (أنا الغلطان اللي سألتك)”. ديسكو رائع ويحكي سعود الحمد قصته مع السياحة، ويقول: “المكان: برج كبير في وسط المدينة (سياتل – أمريكا)، كنا قد وصلنا للتو إلى سياتل.. نتمشى ونتفرج على هذا البرج الضخم الجميل.. استأذنت صديقيَّ السعوديين وصديقيَّ المكسيكيين لأذهب إلى دورة المياه.. كنت سارحا، فجأة اصطدمت بأحدهم.. وكعادتي قلت آسف.. رد الشخص: لا مو مشكلة يا أخوي”. أنا: الأخ سعودي. الشخص: إيه يا أخوي. أنا: حياك الله.. وأنا أيضا من السعودية. الشخص: دراسة والا سياحة أنا: لا والله سياحة الشخص: ما شاء الله.. أكيد أعجبتكم سياتل. أنا: لقد وصلنا منذ قليل ولم نر شيئا إلى الآن. الشخص: أجل الله يوفقكم وتنبسطوا. أنا: بماذا تنصحنا، ما الأماكن المميزة الموجودة هنا في سياتل لكي نذهب إليها؟ الشخص: في الداون تاون (وسط المدينة) وحين تصل لفندق رمادا، بعده بقليل ستجد (ديسكو) رائعا! هشِّك بشِّك! أما محمد الموسى فيقول: “كنت بمطعم ساب واي بكندا مع أحد الأصدقاء، وهو من كوريا الجنوبية، وكان يسكن معي في نفس المنزل”. ويضيف: “ذهبنا سيرا على الأقدام لنأكل ونتمشى في المجمع القريب.. دخلنا إلى (ساب واي) لنأكل.. بعد أن طلبنا وجلسنا وبدأنا في الأكل سألت صديقي: كيف أكلك. قال: مرة لذيذ بلهجة مكسرة. ضحكت وقلت له بالعربية: لقد تعلمت الدرس جيدا.. ثم ترجمتها له. فسمعني أحد الأشخاص الذي أظن أن أذنه طويلة جدا. قال: الأخ من السعودية قلت: نعم واسمي محمد قال: وأنا حسن من (.....) هذا كارتي.. اتصل بي.. أخليك تسهر سهرة عمرك ما شفتها. قلت له: كيف وماذا لديك؟ قال: هشِّك بشِّك.! قلت له: ما فهمت يا سيدي قال: حاجة ما حصلتش قلت له: وأنت ماذا ستستفيد من ذلك؟ قال: لا مافيش فايدة لي أنا بس بأحب السعودية وأهل السعودية وعايزك تنبسط!”. بين أهله وربِّه يقول فالح جازع، طالب ماجستير، هولندا: “السائح السعودي نوعان: النوع الأول يتغرب عن أهله ولكنه في نفس الوقت يتقرب من ربه، والنوع الثاني: يتغرب عن أهله وعن ربه”. ويضيف: “في الغربة قد تصاب بما يسمى الصدمة الحضارية؛ فبلدان الغرب مهما كابرنا تفوقنا بمراحل من نواح عدة”. ويستطرد فالح: “هذه الصدمة تؤثر في الشخص إما بالسلب أو بالإيجاب، وفي الغالب تأثيرها سلبي حيث ينجرف البعض لأمور دنيئة دون اهتمام بالعاقبة”. ويضيف: “أما التأثير الإيجابي فهو أنك ترى الانحلال الأخلاقي يتعرى أمام عينيك بشكل فظيع فتعرف أنهم قوم أضاعوا ربهم فأضاعهم شر ضياع”. ويختم فالح قائلا: “قد تكون عرفت التأثير السلبي للغربة على شبابنا، بمقابلتك شريحة من الشباب السعودي، ينتمون للحزب المتأثّر سلبا، لكن حين تسأل عن الترفيه المباح، فاتجه إلى الشباب المسلم ليدلوك على الخير”. سلاح ذو حدين ويرى عامش الشمري أن تأثير بلاد الغرب على السائح السعودي سلاح ذو حدين. ويوضح: “حد يحصلون به أسباب العلم والمعرفة ولا يستخدمه إلا أصحاب العقول الكبيرة النيّرة الهادفة الطامحة”. ويضيف: “وحد آخر اتخذه أصحاب العقول التافهة والسخيفة والعفنة التي لوثتها أوحال البهيمية الغربية”. ويقول: “نتمنى أن نغير النظرة بالاتجاه للأماكن السياحية التي تثقف السائح وتزيد في علمه ومعرفته وتدبره في خلق الله من جمال طبيعة وغيره”. شعاع نور أما نجاة الوهيب، موظفة، فترى أنه “من خلال مشاهداتي في السفر لاحظت أن السائح السعودي في الخارج نادرا ما يستغل الفترة الصباحية بسبب تعوده على السهر؛ ما يحرمه من التمتع بما يحتويه الصباح من مهرجانات، وأماكن سياحية لا تفتح إلا في أوقات الصباح الباكر”. وتضيف: “كما يجعل البعض السياحة مقتصرة على المقاهي والمجمعات التجارية، تاركين الأماكن الثقافية من متاحف وأماكن تاريخية تزيد من معارفهم وثقافاتهم”. وتقول نجاة: “في السنوات القليلة السابقة لفت نظري انتشار مظهر الفتيات السعوديات المحجبات”. وتضيف: “رأيت أكثر من مرة وفي أكثر من بلد أوروبي مشهد شباب سعوديين يقفون ويصلون جماعة، في الحدائق والمواقف؛ ما أثلج صدري وجعلني فخورة بأبناء وطني”.