لم يكن يدور بخلد المسرحي يوسف وهبي وهو يطلق مقولته: الحياة مسرح كبير، أن يتطور هذا التوصيف ليصبح: الحياة لوكيشن كبير”، إذ إنه مع بداية اختراع كاميرات المراقبة التي تصور الحركات والسكنات أنّى كانت متواجدة انطبق الوصف على الواقع، فلم تعد هذه الكاميرات مختصة كما بدأت بمراقبة الثكنات العسكرية، بل توسع استخدامها ليصل إلى مراقبة البنوك والبيوت المالية، ومع مرور الوقت وتسارع وتيرة الحياة وبحث الناس عن الجديد في عالم التقنية، أصبح تواجدها في كل مكان ليس بذي غرابة، حتى إن الإنسان بدأ يتوجس خيفة من فقدانه لخصوصيته مع “بحلقة” هذه الكاميرات التي تطارده أنّى اتجه. وكما هو حال التأثر والتأثير الذي يطال كل بقعة في هذه الأرض، لم يكن مجتمعنا السعودي بعيدا عما يحصل في العالم، فبعد أن كنا لا نراها إلا في المواقع الحساسة التي يتطلب تواجدها لضروريات أمنية، صدر قبل فترة ليست بالطويلة نظام جديد من قبل إدارة المرور باعتماد هذه التقنية الرقمية لاصطياد مخالفي أنظمة السير، إذ يتلخص عملها في وضعها عند إشارات المرور وفي عدة مناطق منتقاة على الطرق الرئيسة والفرعية، إلى جانب تزويد الدوريات الأمنية بنوع آخر من الكاميرات لرصد المخالفات في المناطق الأخرى غير المغطاة بمراقبة الكاميرا الثابتة، لتخرج لنا أولى النتائج التي رصدتها هذه الكاميرات عبر الناطق الإعلامي بالإدارة العامة لمرور الشرقية، الذي أشار إلى تمكن هذه الكاميرات من رصد 60 ألف مخالفة مرورية خلال ثلاثة أسابيع، من خلال 40 كاميرا ركبت في مواقع متعددة على الطرقات الرئيسة في المنطقة الشرقية. ولم يكد ينقضي الحديث في المجالس عن الخطوة التي أقدمت عليها إدارة المرور حتى أعلن الشيخ عبدالعزيز الحمين الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إطلاق نظام مشابه لنظام المرور، يتم من خلاله رصد المخالفات الأخلاقية عبر كاميرات سيتم تركيبها في الأسواق التجارية الكبرى، الأمر الذي أوجد نوعا من الربكة لدى الشارع، لينقسم ما بين مؤيد ومعارض لاستخدامها، ووصل هذا الاختلاف إلى أروقة مجلس الشورى السعودي الذي استضاف الدكتور إبراهيم الهويمل وكيل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جلسة له الأسبوع الماضي تداخل فيها عضو المجلس الدكتور عبدالرحمن العناد الذي قال: “آمل من لجنة الشؤون الإسلامية التحقق من نية الهيئة لتثبيت كاميرات مراقبة، والعمل معها على التريث أو إلغاء هذه الفكرة نهائيا، لأنها قد تتضمن اختراقا للخصوصيات”. ومع انتشار استخدام هذه الكاميرات التي يتوقع ألا يقتصر استخدامها عند هذا الحد، يبقى السؤال العريض: هل فيها اعتداء بالفعل على الخصوصية؟ أم أنها ضرورة تفرضها الحاجة إلى ضبط الأنظمة؟