لقيت نهاية الدورة ال19 للفقه الإسلامي التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، التي أقيمت في إمارة الشارقة (الإمارات العربية المتحدة)، صدى واسعا وترحيبا من قبل الحضور، وأشاد الشيخ صقر القاسمي بعلماء المجمع وفقهائه؛ لما يبذلونه من جهود مخلصة في معالجة القضايا الفقهية المعاصرة واضطلاعهم بأمانة تواصل الفقه الإسلامي وتجدده في الحياة والمعاملات، كما أكد أن استضافة الشارقة للمؤتمر في دورته ال19 دليل على اهتمام القيادة الرشيدة في الدولة بإبراز الوجه الريادي والحضاري للإسلام، وعلى الصعيد ذاته اختتم مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أبعاد الحرية الدينية، وضوابطها في الإسلام، وانتهى قراره بعد مناقشة الأبحاث المقدمة في هذا الصدد إلى أن الحرية الدينية مكفولة للناس، وأنه لا يُكره أحد على الدخول في الإسلام، وأن الخلاف المذهبي والفقهي بين المسلمين سائغ ومقبول، ما لم يصطدم بثوابت الإسلام. وقرر أن الردة جريمة شرعية تستوجب العقوبة، وأنها ليست حقا مكفولا باسم الحرية، غير أنه اختار أن الحكم بالردة لا يتولاه إلا أهل العلم الراسخون؛ نظرا إلى خطورة ما سيتبعها من أحكام، أما العقوبة عليها فمقصورة على القضاء وحده دون آحاد الناس، وعلى القضاء أن يتمهل قبل العقوبة فينذر المرتد، ويزيل شبهته. وسكت القرار عن نوع هذه العقوبة، هل تكون قتلا أو سجنا أو غيرهما. واستشعاره أهمية مناقشة موضوع الحريات الدينية من قبل المجمع؛ لسد الحاجة الماسة داخل دول العالم الإسلامي وخارجه؛ للتعرف على موقف المجمع باعتباره مرجعية إسلامية فقهية عامة. وبعد استماعه إلى الأبحاث المعدّة في الموضوع والمناقشات التي دارت حوله أُقرّ عدد من القرارات، هي: أولا: أن الحرية الدينية مبدأ مقرر في الشريعة الإسلامية ينطلق من الفطرة، ويقترن بالمسؤولية في الإسلام، ولها ضوابط في الشريعة، وغايتها تحقيق الكرامة الإنسانية. ثانيا: الحرية الدينية مكفولة في المجتمع، وتجب صيانتها من المخاطر والأفكار الوافدة، ومن كل أشكال الغزو، الدينية أو غير الدينية، التي تستهدف تذويب الهوية الإسلامية للأمة. ثالثا: إن المسلمين يلتزمون بالمبدأ القرآني (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ومارسوا عبر التاريخ التسامح وقبول الآخرين الذين عاشوا في ظل الدولة الإسلامية، ومن الضروري احترام غير المسلمين للخصوصيات الإسلامية، وأن توقف حالات التطاول على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم والمقدسات الإسلامية. رابعا: التنوع المذهبي والفقهي حالة طَبَعية، وتعاون المسلمين على اختلاف مذاهبهم واجب شرعي نص عليه الكتاب والسنة، والإسلام يدعو إلى عقيدة التوحيد وتوحيد الكلمة على أساس التعاون فيما هو متفق عليه، وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلف فيه. خامسا: وضع حد لإثارة البلبلة حول المسلّمات والثوابت الإسلامية، وزرع الشكوك فيما هو معلوم من الدين بالضرورة من داخل المجتمع الإسلامي؛ لأن ذلك يشكل خطرا على الدين والمجتمع، ويتأكد الردع عن هذه الأساليب المرفوضة التي يتذرع أصحابها بالحرية الدينية؛ وذلك حماية للمجتمع وأمنه الديني والفكري، ومنعا لاستغلال ذلك من غير المسلمين. سادسا: إن الفتوى بالردة أو التكفير مردها إلى أهل العلم المعتبرين، مع تولي القضاء ما اشترطه الفقهاء من الاستتابة، وإزالة الشبهات خلال مدة الإمهال الكافية؛ تحقيقا للمصلحة الشرعية المعتبرة. سابعا: المجاهرة بالردة تشكّل خطرا على وحدة المجتمع الإسلامي وعلى عقيدة المسلمين، وتشجع غير المسلمين، أو المنافقين؛ لاستخدامها في التشكيك، ويستحق صاحبها إنزال العقوبة بالمرتد من قبل القضاء دون غيره؛ درءا لخطره، وحماية للمجتمع وأمنه، وهذا الحكم لا يتنافى مع الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لمن يحترم المشاعر الدينية وقيم المجتمع والنظام العام. وأوصى مجمع الفقه الإسلامي بمطالبة الحكام المسلمين بتوفير حاجات أبناء المجتمع الرئيسة، منها الحرية المسؤولة، وتوفير الغذاء والسكن والعلاج والتعليم وفرص العمل، وسائر الحاجات التي تحصن الجيل من المؤثرات الإغرائية المادية، وغيرها مما يستخدم لترويج الأفكار المناهضة لقيم الإسلام. كما أكد أكمل الدين أوغلى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أن رسالة مجمع الفقه الإسلامي الدولي الجديدة، كما سطرها قادة الأمة في القمة الاستثنائية الثالثة، تتبلور في إثراء مسيرة الاجتهاد الجماعي في الفقه الإسلامي؛ باعتبار أن هذا المجمع هو المرجعية الفقهية الرائدة للأمة، وركَّز على أن هذه الدورة تعقد تحت مظلة النظام الأساسي الجديد للمجمع، الذي اعتمد في المؤتمر الإسلامي ال33 لوزراء الخارجية، عام 2006، وأعرب عن تطلعه إلى أن يشكل الإطار القانوني الجديد الأساس المكين لإعطاء الأولوية المتواصلة في عمل المجمع لتصحيح الخلل، الذي أحدثه الانحراف عن الدين ومقاصده، آملا أن يعمل المجمع على تحقيق التلاقي الفكري بين المسلمين وعلمائهم. وأعرب عن سعادته بالمواضيع المهمة والحيوية والمدرجة على جدول أعمال هذه الدورة، مستذكرا أن المجمع عود الأمة على إصدار فتاوى ونشر بحوث ودراسات تنسجم مع تطور الحياة، دون المساس بأصول الدين. من جانبه أكد الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، رئيس المجلس، أن لمجمع الفقه الإسلامي الدولي منذ إنشائه وعلى مدى ربع قرن، قصب السبق ببحوثه المتخصصة وقراراته المحكمة، وتوصياتها الوافية لتبين للناس كمال هذه الشريعة بما يدفع الحياة نحو المستقبل الأفضل.