على خلفية تصريحات الدكتور محمد العيسى وزير العدل السعودي، التي أكد فيها أن وزارته تعتزم استصدار قانون جديد يحدد سنا معينة لزواج الفتاة، بهدف الحد من سلبيات زواج القاصرات.. ومع رفض أحد القضاة إبطال زواج تم بين فتاة قاصر، ورجل في ال47 من عمره.. وتنديد منظمات حقوقية وإنسانية بالحكم، باعتباره من وجهة نظرها مجحفا بحق الفتاة.. تعود قضية زواج القاصرات من كبار السن، لتطفو على السطح، وتتصدر النقاش المجتمعي من جديد.ويرتبط النقاش حول هذه القضية، بأسباب عديدة وعوامل شتى؛ دينية وثقافية واقتصادية واجتماعية.. لعل من أبرزها التفكك الأسري، وانتشار المخدرات، وارتفاع معدلات الفقر.. في مواجهة حديث عن مزايا الزواج المبكر للفتيات، وأثره في صيانة عفاف البنات، والحفاظ على شرفهن، ونجاتهن من شبح العنوسة. “شمس” تعيد فتح ملف القضية.. وتطرحه للنقاش العام بين الناس، ومع المتخصصين؛ من علماء وقضاة ومحامين واجتماعيين ومأذوني أنكحة.. فإلى التفاصيل. لا يجوز في البداية يتحدث الدكتور محمد النجيمي عضو المجمع الفقهي الإسلامي في تعليقه على قضية زواج القاصرات بقوله: “لا يجوز تزويج الفتاة القاصر التي تكون دون سن ال15 سنة، وذلك استنادا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :(تستأذن البكر وتستأمر الثيب).. وحيث إنه لا بد أن تكون الفتاة بالغة راشدة لتستأذن، فإنه لا يمكن أن يكون للفتاة التي دون سن ال15 إذن”. ويشير النجيمي إلى أنه “يحق لولي الأمر أن يمنع زواج القاصر، وذلك من باب السياسة الشرعية”. ويوضح: “يحق لولي الأمر أن يصدر قرارا بمنع زواج القاصر، ولا يجوز تزويج القاصر إلا بموافقة القاضي وولي أمرها، مع تشكيل لجنة طبية تفيد بأنها تصلح للزواج، وأن الزواج في مصلحتها”.ويقول النجيمي: “من أجاز تزويج القاصرات بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة عليها السلام في سن التاسعة، فإن ذلك أمر لا صحة له؛ فزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من عائشة في هذه السن يعتبر من خصائصه، كما أن ذلك كان قبل حديثه عليه السلام (تستأذن البكر وتستأمر الثيب)، بالإضافة إلى أن هذه قضية عين، وقضايا العين لا يقاس عليها”. حق الكفاءة والعضل وفي الأوساط القضائية والقانونية؛ تحظى قضية زواج القاصرات، باهتمام ومتابعة، ويؤكد المحامي والمستشار القانوني خالد بن سعيد الشهراني أن “الإسلام احترم المرأة وكرَّمها، وأعطاها حقوقها كاملة، قبل أن تشرع القوانين الوضعية بمئات السنين”. ويضيف: “وبالنسبة للأوضاع الحقوقية والقانونية التي تحمي المرأة في السعودية، فهي دائما في تحسن، وتقوم على أحكام الشريعة الإسلامية”. ويدلل على ذلك بما قررته الحكومة السعودية في الآونة الأخيرة “بالموافقة على تعديل الأنظمة التي شملت تحويل محكمة الضمان والأنكحة إلى محاكم أحوال شخصية”. ويقول الشهراني: “حاليا الحكومة تدرس تنظيم زواج القاصرات.. بعد كثرة المشاكل.. وما سمعنا عنه بزواج قصر لا يزالون في سن الطفولة”. ويضيف: “هذا التنظيم لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية لأن الشريعة أعطت المرأة حق الكفاءة، وحرمت على ولي المرأة أن يزوجها من غير كفء لها، أي اعتبرت الكفاءة شرطا من شروط العقد”. ويذكر الشهراني أن “الشريعة الإسلامية أعطت المرأة الحق في العضل، أي عدم إجبار وليها على تزويجها بمن لا ترغب فيه، وذلك باللجوء إلى القاضي ومطالبته بتعيين ولي عليها، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (السلطان ولي من لا ولي له)”. ويوضح أن “الشريعة الإسلامية لم تترك شيئا من هذه الأمور إلا ذكرته”. ويتساءل: “هل باستطاعة القاصر أو الطفلة الصغيرة، التي يتم تزويجها معرفة كل هذه الأمور؟.. بالطبع لا، أما إذا بلغت القاصر، ووصلت سنا معينة، فهنا تستطيع تحديد مصيرها”. واستشهد الشهراني بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح البكر حتى تستأذن). لا.. للقرار ويرفض الدكتور إبراهيم الخضيري قاضي محكمة التمييز سن قوانين جديدة لتحديد سن الزواج، أو حتى وجود فارق مناسب بين الرجل والمرأة، وذلك على خلفية التقارير الصحافية التي تحدثت عن عزم الحكومة السعودية ممثلة بوزارة العدل، سن قوانين جديدة تنظم زواج الفتيات القصر. ويوضح الخضيري أنه “لكي توجد قوانين فلا بد من وجود ضرر عام، وأن يشتهر في البلاد أن الآباء يتاجرون ببناتهم”. ويؤكد أن “هذا غير حاصل واقعا”.ويربط الخضيري “وجود هذه القوانين المستحدثة بموافقة ولي الأمر، فهو الوحيد الذي يستطيع أن يضع الطريقة المناسبة لدرء الضرر عن الفتيات إن وجد الضرر”. ويبين أن “الشرع لم يحدد عمرا للزواج، ولم يقيده بسن معينة، بل هو مطلق تماما، حتى إن الرجل يستطيع أن يتزوج الطفلة الرضيعة”. ويضيف: “ذكر أهل العلم في كتبهم أن هذه الطفلة الرضيعة، لو رضعت من زوجة الرجل الأولى خمس رضعات، أصبحت بنتا له من الرضاع، وتطلق منه في هذه الحالة”. ويعتبر أن “هذه الحالة التي ذكرها أهل العلم في كتبهم، دليل على عدم وجود سن معينة للزواج”. ويشير إلى أن “رأيه الشخصي هو رفض مثل هذه القوانين التي قد تخالف الشرع، وبخاصة أنه لم يشتهر وجود مثل هذه الزيجات في السعودية”. .. ولا لمعاشرتها صغيرة وعن الفارق في العمر بين الزوجين، يوضح الخضيري أن “الشرع لم يضع حدا معينا لهذا الفارق، لكنه خاضع للعرف ومدى رضا الطرفين”. وحول رضا الزوجة بهذا الزواج، وهل يمكن للزوج أن يعاشرها قبل بلوغها سن البلوغ؛ يؤكد الخضيري أن “للمرأة حق رفض هذا الزواج بعد بلوغها، وبإمكانها أن تفض هذا الزواج، لأن الشرع كفل لها رغبتها، واعتبرها شرطا من شروط صحة الزواج”. ويضيف: “الزوج لا يجوز له أن يعاشرها أو يستمتع بها ما دامت لم تبلغ السن المناسبة والملائمة لهذا الأمر”. ويشترط “أن تكون الزوجة قادرة على ممارسة الحياة الزوجية بشكل كامل”. (خرابيط) ومن جانبه؛ يؤكد الشيخ خالد الهميش المستشار الاجتماعي والأسري أنه “مع وجود توافق فكري بين الزوج والزوجة”. ويقول: “الفارق العمري بين الزوجين لو كان كبيرا، ستكون هناك مشكلة كبيرة يمكن أن تقع، فلو تزوجت فتاة في ال 20 من عمرها، برجل بلغ ال 60، فكيف سيكون التوافق الفكري بينهما”؟ ويوضح: “ستكون هناك بالتأكيد حاجات متعددة تبحث عنها الفتاة، ربما لا تجدها لدى هذا الرجل، الذي أصبح في عمر جدها”. ويضيف: “وربما كانت العلاقة بينهما ليست علاقة زوج وزوجة، وإنما علاقة أب وابنته”. ويرى أن “هذا سينعكس على الحياة الزوجية، التي لا بد فيها من التفاهم بين الزوجين، والتناغم الكامل حتى تستقر الحياة الزوجية، وتحقق الهدف الأسمى من تكوينها”. ويعتبر الهميش أن “التقنين وفق الشرع المطهر.. سيحل مشاكل متعددة يقع فيها كثير من الفتيات”. بارعات بدقائق الأمور وعن تحديد سن معينة لزواج الفتاة؛ يرفض الهميش أن “تحدد سن معينة لأن الفتيات يتفاوتن في نضجهن، ومقدرتهن على تحمل الحياة الزوجية”. ويؤكد أن “الفتيات اليوم أصبحن بارعات، وسبقن الرجل في معرفة أسرار الحياة الزوجية، وبخاصة مع الانفلات الفضائي، الذي لم يقصر في تقليل مستوى الحياء لدى عدد كبير من فتياتنا، فأصبحن يطالبن أزواجهن بأشياء، ربما يراها الزوج كبير السن، بأنها مجرد خرابيط”. ويضيف أن “كثيرا من الرجال يشتكي من عدم قدرته على تلبية حاجة زوجته، وبخاصة بعد معرفتها الدقيقة لكافة الأمور”. ويعتبر الهميش أن “كل هذه المعلومات تؤكد أن تحديد سن للفتاة لم يعد أمرا مجديا، بقدر ما يكون الفارق العمري مهما بشكل أكبر”. ويعلل ذلك بأن “الواقع يدل على أن الفتيات يتفاوتن في نضجهن وإدراكهن لماهية الحياة الزوجية وتبعاتها”. جريمة بحقها ويرى الشيخ إبراهيم الدوسري مأذون أنكحة أن “إصدار قانون جديد يحدد أعمار الفتيات، ويحد من زيجات الفتيات القصر، لا بد أن يكون واقعيا”. ويضيف: “أنا مع تحديد سن للزواج، بحيث يجعل سن الفتاة عند الزواج 15 كحد أدنى، سنا مناسبة إلى حد كبير”. وحول التأثير الذي يخلفه سن هذا القانون، يقلل الدوسري من تأثيره الكبير على الزيجات في السعودية، ويقول إنه “سيحد من حالات الزواج القليلة جدا من فتيات قاصرات”. ويشير الدوسري إلى “ضرورة أخذ الفارق العمري في الاعتبار عند عقد القرآن”. يحدد هذا “الفارق بعشر سنوات كحد أعلى، حتى لا يكون الفارق العمري كبيرا بين الزوجين” ويعتبر أن “زواج الفتيات اللاتي يتزوجن برجال وصلت أعمارهن إلى ال 70 جريمة كبيرة بحق الفتاة”. ويقلل الدوسري من تأثير تحديد حد أدنى لسن الفتاة عند الزواج، على عنوسة الفتيات، ويعتبر “وجود الفارق العمري المناسب بين الطرفين، وسيلة إيجابية لتحقيق حياة زوجية سعيدة”.