كتب الاستاذ حماد الحربي - سلمت براجمه من الأوخار -في ملحق (وشعر) الخميس الموافق 15 ربيع الأول 1430ه مُبشّرا بقدوم الشاعر الشعبي ل(المنصة)، حيث بدأ مقاله الرشيق بقوله: "يُتهم الشاعر الشعبي دوما بعدم معايشته لهموم المشهد الثقافي في بلاده....) الاستاذ حماد الحربي وهو الإعلامي النابه يدرك جيدا البون الشاسع بين الثقافة والإعلام، فالثقافة - وهذا المفترض كما أرى - لا يعدو الإعلام بالنسبة لها إلا قناة إيصال، وهذا ما تنبه له الإعلام فسعى إلى استقطاب المثقف واستمالته، وربما تدجينه ليكون الإعلام هو مقياس الثقافة أو على الأقل جزءا منها؛ حتى أصبح المثقف هو من "يمتلك" مساحة ثابتة في صحيفة ما، والاعلام بخبث - والخبث ليس شتيمة في الصحافة!-أصبح يقدم هذا الكاتب كصوت يتكلم باسم الثقافة بغض النظر عما يقول أو ما يحمل من فكر؛ حتى وصل الأمر بأن تكون بدايات الإعلام (الصحافة تحديدا) يُستشهد بها لتأريخ الثقافة في بلادنا، وهذه إشكالية كبيرة تستوجب أكثر من مقال عابر، وهذا ربما ليس مكانها، إنما سقتها كمدخل لموضوع (ثقافة الشاعر الشعبي)، في الشعر الشعبي أو العامي أو المحكي - لا مشاحة في الاصطلاح - عُومل النتاج الأدبي الشعبي بنظرة غير ثقافية، تارة من خلال التعامل معه كموروث، وتارة كلغة هدم للغة الأم، واستمات كثير من المثقفين والأكاديميين لمحاربته ونبذه، بل والنظر للشاعر العامي على أنه كائن أمي يمارس جهلا ورجعية؛ ولأن المثقف/ المعارض عنصر مهم في الإعلام فرأيه مهم أيضا لدى الجهة الإعلامية، في ذات الوقت يدرك الإعلام جيدا ما للشعر العامي من قدرة على التسويق، فكانت الملاحق المختصة بالشعر العامي ملاحق "هامشية" تُلحق بالصحف كبديل لصفحات "التسلية والكلمات المتقاطعة"، حيث يقدم الشعر العامي بشكله التقليدي كجزء من التراث، وليس كأدب حي قابل للتطور والنمو، وهنا تعزيز لقناعة المثقف كما أنها ضمان للوصول إلى القارئ الباحث عن الشعر، فالشاعر العامي المثقف - اعني هنا الثقافة بمعناها الواسع - لا يستطيع أن يصل لهذه الملاحق لأنه يمارس أدبا حيا كباقي شعوب الأرض، فيما تصر ذات الملاحق على أن تُقدمه كجزء من الموروث المحنّط! في ظل هذه الضبابية بين المُنتج والمسوّق بقي المجال مفتوحا لكل من يريد أن يساهم في الحركة الأدبية الشعبية، فكان حضور الشاعر (المُقلد) الذي يكتب شعرا كما تريد الصحيفة، فأصبح الشاعر يزوّر واقعه ويتكلم بلسان العصور البائدة؛ ولأن ملاحق الشعر - كما أسلفنا - بالصحف لا تعدو كونها "استراحة الاسبوع" فدأبت على البحث عن الشعر الخفيف المباشر بل والذي يتسوّل إضحاك المتلقي تماهيا مع المكان المخصص للنشر أو الملحق، وبذلك بدأ الإعلام بتشكيل ذائقة المتلقي المحب للشعر العامي؛ فأصبح من الطبيعي أن يتوارى الشاعر المثقف عن الإعلام الذي يريد أن يقدمه كما يريد لا كما هو؛ لهذا بدأ كما الشاعر الشعبي بعيدا عن الثقافة بل حتى عن الشأن العام وهذا ما ألمح إليه الزميل حماد الحربي من استغراب الثقافة على الشاعر الشعبي، بل ان الأمر وصل لدرجة تنصل الكثير من الشعراء الشعبيين من اسم "شاعر شعبي" وأصبح البحث عن لقب كاتب أو قاص أو روائي نصرا كبيرا أو ربما استردادا لقيمته الإنسانية التي أهدرها الإعلام وهو (يستكثر) منصّة توقيع!