من الخرج كانت هذه الحكاية التي جسد فيها (ﺃبو) صالح المثال الجيد للأب القنوع بما يسره اﷲ له في هذه الدنيا. هو مزارع بذل جهده في حراثة ﺃرضه وزراعتها ليس من ﺃجل الاستمتاع بها، وحسﺐ بل لأنها كذلك مصدر الرزق الوحيد لهذه الأسرة البسيطة. كان طفلا يشارك والده مهام، الفلاحة تلك المهام التي يتحدث عنها ﺃبو صالح: قائلا "عملت مع والدي في حراثة، الأرض كنا نزرع، الأرض ونجني، ثمارها وثمار النخيل من تمور وﺃعلاف لأحملها ﺃنا وﺃذهﺐ بها إلى الأسواق" لبيعها. ﺃكمل (ﺃبو) صالح حديثه بعد ﺃن استند بظهره على الأريكة الصغيرة التي كانت خلفه وقد ارتسمت ابتسامة عريضة على محياه الذي حفرت السنون عليه علامات وقسوة الظروف من، ناحية والسعادة بتلك الذاكرة الجميلة من ناحية ﺃخرى. ذاكرة نبشت تفاصيلها القديمة. "لقد كانت ﺃياما بسيطة، وجميلة فقد كنت ﺃغرس النبتة بيدي بكل هدوء خوفا عليها من الأذى وكأنها طفل وديع بين، يدي ومن ثم ﺃرويها بالماء صباح كل، يوم وتكبر وﺃكبر معها حتى تمكنت من الزواج بابنة عم لي والتي كانت عونا لي بعد اﷲ في تلك الحقبة الزمنية القديمة حيث ساعدتني على ﺃعباء تلك المزرعة الصغيرة والتي كانت تخرج لنا من تربتها ومحاصيلها قوت يومنا. عن تفاصيل حياته يقول ﺃبو: صالح "لقد كنت ﺃنتظر ﺃن يرزقني رب السماء بأطفال ليصبحوا سندا لي في المستقبل ولكي يكملوا المسيرة من، بعدي فقد كنت ﺃعلم ﺃنه سيأتي ذلك اليوم الذي ﺃنا عليه الآن من كبر السن والعجز عن إتمام غرس النبتة الصغيرة والانتظار حتى يوم، حصادها وفعلا كانت ﺃصوات ﺃبنائي الذين رزقني اﷲ بهم في ذلك الوقت بمثابة الونيس لي وزوجتي في ذلك المنزل الصغير الذي كان بالكاد يتحملنا، جميعا وفي صباح اليوم التالي ﺃوزع عليهم المهام فمنهم من يعينني على غرس وحصد الثمار والبعض الآخر منهم يذهﺐ بها إلى السوق ليبتاعها ويعود إلينا بالغنيمة التي يرزقنا اﷲ، بها وهذه هي الحياة نفسها التي كنت ﺃعيشها ﺃنا وإخوتي مع والدينا رحمهما" اﷲ. بسؤالي عن ﺃبنائه كان الفخر يتحدث على لسان ﺃبو صالح وهو: يقول "مع مرور الأيام وتتابعها كبرت كثيرا وكبر ﺃبنائي معي وها هم وﷲ الحمد من مزارعين وفلاحين إلى ﺃن ﺃصبح ﺃحدهم من تجار البلد موسعا له اﷲ في، رزقه والآخر حاميا لهذا الوطن المعطاء برتبة عسكرية، رفيعة كل ذلك حصل بين عشية، وضحاها ومع تتابع الأيام وتسارعها وهذا في مجمله بفضل اﷲ سبحانه؛ إذ لم ﺃكن ﺃريد لهم سوى ﺃن يكونوا في ﺃحسن، حال وﺃن نجتمع جميعا على مائدة واحدة نتذكر معا ﺃياما قد" خلت.