النشأة والانغماس في حياة القرية، ينطبع بدواخل المرء ولا يفارقه، حتى إن صار علما من الأعلام لاحقا. إنها حقيقة تأصلت لدى حياة الكثير من المشاهير.، أضافت إلى تفاصيلهم في أحيان، وأثرت في بعض ملامح «الانطواء والانغلاق» في أحيان أخرى. يتأثر لاعب الوسط في فرقة الأهلي تيسير الجاسم كثيرا، ببدايات حياته في قرية «بني معن» بالأحساء، حيث ولد في 25 يوليو 1984 وترعرع، وبدأ عشق الكرة وعمره 11 عاما مع فريق «معن». تلك التأثيرات، من منظور بعض من يعرفون اللاعب عن قرب، لها حضورها في بعض ملامح شخصيته «الهادئة والانطوائية نوعا ما»، ولها أبعادها في الحرب اليومية و«المهنية»، التي يقودها ضد الفراغ. معارك «الفراغ» في مسكنه وحياته الاجتماعية بجدة، التي يستقر فيها منذ 10 أعوام تقريبا بعد انتقاله إلى الأهلي، يشعر كثيرا الجاسم بأنه لديه وقت عريض من «الفراغ»، لأنه لا يعشق «الخرجات واللمات» كثيرا. وفي الملعب من خلال دوره كلاعب ارتكاز خلف المهاجمين أو لاعب محور – أحيانا – أمام المدافعين، له صراع أزلي طويل مع مساحات الفراغ في الميدان، ولعله أثبت أنه من أبرز لاعبي مركزه، الذين يجيدون استغلال الفراغات خلف المدافعين، للانقضاض وإحراز أهداف «أكثر إيلاما». وله في «حرب الفراغات الكروية»، عشرات الأمثلة من المعارك الناجحة والمنتصرة، التي توِّجت أهدافا أو تمريرات أهداف، مثل هدفه في نهائي كأس ولي العهد أمام الاتحاد في 24 إبريل 2007، وهدفه بقميص الغرافة القطري في مرمى الوكرة، خلال إعارة ال20 يوما بنفس العام. وخلال حياة جدة، رغم استغلاله فأي فرص إجازات ولو قصيرة جدا بالسفر إلى مسقط رأسه، يرتبط تيسير بالبحر وصداقات بزملائه اللاعبين، واتضح أن علاقاته من خارج ناديه تتجاوز محيط زملاء الفرقة الخضراء. لهذا يختلي اللاعب بنفسه كثيرا، خلال فراغات الوقت، التي يتحول خلالها إلى طباخ ل«المكبوس» أو «المتشبوس» الشرقاوي؛ لأن علاقته بالأطعمة الحجازية لم تتحسن كثيرا. أما أهم معاركه مع الفراغ، فتحدث بسبب «فراغ» الكثير من أعضاء منتديات الأندية الإلكترونية وغيرها، من خلال تعليقات «فارغة المضمون»، تمسه في شخصه بكل أسف، حتى وهو في أوج نجاحاته! المدرس.. والعراب واقع تيسير الحالي، وكل ما وصل إليه تقريبا، يرتبط بشخصيتين لهما تأثيرهما المهم في حياته الكروية: مدرِّسه في المدرسة المتوسطة ولاعب هجر السابق حمد العريفي، وشقيقه مسفر الجاسم. العريفي أعجبه أداء تيسير، وحاول إقناع مسفر الذي كان يلعب معه في هجر، لكن مسفر أشفق على شقيقه الصغير، قبل أن يقتنع لاحقا ويسجل تيسير في النادي الحساوي وعمره آنذاك 14 عاما. مسفر انتقل بعد ذلك إلى الأهلي، وأكد تميزه في موقع المحور، الذي شكل هاجسا عميقا للأهلاويين، إلا أن الإصابات المتلاحقة وآخرها في «الرباط»، جعلته يترك الأهلي في موسم 2001/2002. حينذاك، لم يبخل على الأهلي بتقديم شقيقه ل«شباب الأهلي»، وقدمه بالفعل لخارطة «القلعة»، قبل أن يتركه شقيقه و«عرّابه» وحيدا وصغيرا نسبيا، في غربة و«فراغ»، قاد ضدهما – كما أسلفنا – معاركه الخاصة، التي جعلته يشابه «دون كيشوت» أحيانا في محاربة «طواحين الهواء»، كما في الرواية الإسبانية الشهيرة للكاتب ميخيل دي سيرفانتس. لم يفهموه في «ليلة زرقاء»! تأكد أن تيسير الجاسم، الذي عاد للتألق مع الأهلي والمنتخب بعد تذبذب في الموسم قبل الماضي وجزء من الموسم الأخير، خاض مباراة الخسارة «الرباعية» الغامضة أمام الهلال، وهو يعلم أن والده في وضع حرج، حيث توفي في اليوم التالي للمباراة، وربما بعد ساعات قلائل منها. اللاعب الذي جاء الأهلي في سن 17 عاما، وناضل خلاله بالحياة وحيدا و«صغيرا» دون شقيقه، لمّا غادر إلى «ديرته» بسبب الإصابة، كان يجب أن يلقى اهتماما خاصا من الإدارة المشرفة على الفريق الأهلاوي. يشهد كثيرون أن اللاعب يجتهد بشكل فردي للتميُّز، ولا ينتظر من يوجهه ويتابعه – رغم موهبته – لما استلزم حدوثه إداريا، ولم يحدث! بمجرد علم الإدارة أن اللاعب عرف بمرض أبيه، خصوصا مع وصوله لمرحلة مرضية حرجة، كان يجب أن تواسيه وتقف إلى جانبه، وتعذره من المشاركة في مباراة الهلال رغم أهميتها، لأن حضوره فيها بذلك الوضع، «يضر ولا يفيد».. وهذا ما حدث بالضبط. الجاسم عنصر مهم في وسط الملعب، إذا غاب عن «مزاجه الحقيقي»، فلا يجب أن يُلام، وهو من قاد «وحده» معارك طويلا ضد الفراغ، حياتيا وفنيا. الحل.. «أخضر×أخضر» الوضع الراهن مع بدء معسكر المنتخب، استعدادا للمواجهة المهمة أمام تايلاند في بانكوك، الذي استدعى توقف الدوري، جاء مناسبا مع الوضعية الراهنة التي يعيشها تيسير. حلول العودة ومفاتيحها تكتسي باللون الأخضر، لنسيان «الليلة الزرقاء الليلاء». تيسير يجيد الأداء الوسطي ارتكازا أو محوريا، ولعل وضعية المنتخب الحساسة تحتاج إلى انحيازه لدور «المحور»، الذي يشتعل نشاطا في كسب الفراغات. إنها معركته الشخصية الخاصة، حتى يعيد للأذهان الصورة الماتعة، التي كان عليها صاحب هذا الموقع منتخبيا سابقا، فؤاد أنور في مونديال أمريكا 1994. إذا نجح تيسير في إعادة تلك الصورة، ستكون الإفادة متحققة في عدة اتجاهات: أولها إعادة توازن للمنتخب الأخضر، وثانيها ل«القلعة الخضراء» من خلال حل مشكلة مأزق الرابط المفقود بين الوسط والدفاع، وثالثها لصالحه شخصيا بتجاوز حالته الراهنة، وبحثا عن زوجة تشاركه حياته في الفترة الخصبة المقبلة، من حياته المهنية كلاعب محترف، بعيدا عن معاندة نفسه وأسرته، التي تصرّ على تزويجه.. ولنا أن نذكر في هذا الإطار، أنه اللاعب الوحيد محليا، الذي اختير سفيرا للمنظمة العربية لحقوق الطفل، في 21 إبريل 2009 .