يرى الشاعر علي الحازمي أن كتابة الشعر أمر ليس باليسير، ويراه أيضا سيد المنابر وقمر الأمسيات، غير أنه في حال المقارنة بين النتاجين السردي والنظمي لا يشعر بأن الإبداع السردي يعطل مهمة الشعر، بل على العكس، إن وجود تنافس ما بين الشعر والسرد يثري الحراك الأدبي والذائقة معا. في أجواء العيد بكل خصوصيتها وطقوسها نلتقي الحازمي في حوار التجربة والمسيرة والرؤية الشاملة لواقع الشعر اليوم وما يتعرض له من ضغوط سردية تأخذ حيزا من مكانته، وأخرى شعبية في المفردة التي اكتسحت نظيرتها الفصيحة.. فإلى الحوار. * ما المتغيرات الأبرز على القريحة الشعرية خلال شهر رمضان المبارك؟ شهر رمضان هو شهر استثنائي ننتظره بشغف كبير لما له من روحانية عظيمة، إنه بلا شك فرصة ثمينة لترويض جموح الجسد وتطهير الروح من غوايتها، أما فيما يتعلق بالقريحة الشعرية في رمضان فهي على الأرجح ستكون متأثرة بأجواء الشهر الكريم وبذلك الصفاء العميق الذي يطوق أفئدتنا خلال أيامه الفضيلة. * لماذا يميل المبدع للانعزال أثناء الصيام؟ ليس المبدع وحده من يميل للانعزال وإنما الجميع، الكل يحاول أن يصنع لنفسه أجواءه المستقلة للتقرب إلى الخالق في هذا الشهر المبارك، طبعا هناك أوقات ضرورية للالتقاء بالناس سواء عن طريق الصلوات أو عن طريق تبادل الزيارات الرمضانية البهيجة، لكن ذلك لا يؤثر في خصوصية الشهر وذلك الأثر العميق الذي يتركه فينا. * كيف تتعامل مع القصيدة في رمضان؟ في أي وقت تكتبها؟ حقيقة لا أخفيك بأنني كتبت أهم قصائدي في شهر رمضان، ربما لطبيعة الشهر وروحانيته العالية يجد المرء نفسه مهيئا للكتابة بصفاء ذهني نادر، أما فيما يتعلق بوقت الكتابة، في الغالب يحدث ذلك بعد منتصف الليل. * ما تقييمك للفعاليات الثقافية خلال الشهر؟ من المفترض أن تكون هناك فعاليات مصاحبة لهذا الشهر الكريم، ليس بالضرورة أن تكون الفعاليات ثقافية بل تستطيع الأندية أو المراكز الثقافية أن تفتح أبوابها أمام الجميع لتنظيم محاضرات دينية متنوعة لإثراء رغبتنا في الاطلاع على فضائل هذا الشهر المبارك. * بصورة عامة.. لماذا تراجع الشعر؟ الشعر لا يتراجع دائما، لأنه مرتبط بالإنسان والوجود، من المؤكد أن هناك عوامل كثيرة تصرف المتلقي عن الالتفات للشعر في بعض الأحيان، لكنها في العادة ليست عوامل جوهرية، هي طارئة فقط، ومتى ما تلاشت عاد المتلقي لذاته الشاعرة، المتلقي ينصرف لكنه يعود، يعود لنفسه ووجدانه، وهذا أمر طبيعي يحدث مع الجميع. * ما أسباب تواضع الشعراء في مقاومة الإبداع السردي؟ أنا ضد كلمة تواضع هنا، وكل من يكتب الشعر الحقيقي يدرك صعوبته، كتابة الشعر أمر ليس باليسير، كما أن الشعر هو سيد المنابر وقمر الأمسيات، ومع ذلك لا أشعر بأن الإبداع السردي يعطل مهمة الشعر، بل على العكس، إن وجود تنافس ما بين الشعر والسرد يثري الحراك الأدبي والذائقة معا، وهذا أمر جيد بطبيعة الحال. * هل فقد الشعر الفصيح بريقه؟ من وجهة نظري المتواضعة لم أشعر بذلك قط، ربما يتمثل المأزق الحقيقي للشعر حاليا في ندرة المواهب والتجارب الشعرية اللافتة مقارنة بالأسماء الشعرية السابقة التي كانت تتسيد المشهد الشعري العربي في وقت من الأوقات، إضافة إلى أن هناك أسماء شعرية جديدة مغيبة لم تنل حقها من الدعم الكافي والرعاية من قِبل المؤسسات الثقافية، الأمر الذي يعطل إمكانية إبراز تجاربها الشابة على مستوى الوطن العربي، ويقلل في الوقت ذاته من فرص تواصلها مع متلق هو في أمس الحاجة إلى الاطلاع على تجارب شعرية جديدة تعيد له الثقة بالشعر والشعراء. * هل هناك مواهب حقيقية في الساحة الثقافية ولا تجد فرصتها؟ بلا شك هناك مواهب عديدة، لكنها تواجه عقبات كثيرة في طريقها لإيصال صوتها الخاص، عقبات تتعلق بمسألة إصدار الكتاب وعدم تلقيها دعوات للمشاركة في الأنشطة المنبرية، إضافة إلى التجاهل والتهميش الذي يمارس عليها من قِبل النقاد، كل هذه الأمور تؤخر بالضرورة مسألة بروز تلك المواهب التي تستحق أن نقدم لها الكثير من الدعم والمساندة. * كيف نطور من حركة استيعاب المواهب واكتشافها؟ لماذا نذهب بعيدا للحديث عن المواهب وواجبنا تجاهها، علينا أن نتحدث بوضوح شديد في مسألة أخرى لا تقل أهمية عنها، في البداية لا بد من الاعتراف بأن هناك حراكا أدبيا يستحق التقدير يدار في أغلب الدول العربية، في المقابل ليس سرا عندما نقول إن المؤسسة الثقافية الرسمية لدينا عاجزة عن مجاراة ما يحدث في البلدان العربية، لذلك لا توجد لدينا مشاريع ثقافية كبرى على مدار العام كما أن الوزارة لا تتبنى إقامة تظاهرات ثقافية أو مهرجانات شعرية تثري المشهد الأدبي، ولا تقوم بطباعة أعمال أدبية تبرز الوجه المضيء من الأدب المحلي، حقيقة لا أدري ما الذي يمنع الوزارة من أداء واجبها في هذا الاتجاه. * ما الدور الذي لا تزال الأندية الأدبية بعيدة عن القيام به؟ الأندية الأدبية هي الأخرى لم تجد المثال الذي يحتذى به وأقصد بذلك أن وزارة الثقافة المحلية لم تستطع أن تقدم نفسها نموذجا حيا يرضي طموح المثقفين، المعضلة الكبرى أن الوزارة تعد نفسها جهة إشرافية على الأندية الأدبية ولا تلزم نفسها بعمل أي شيء، كما أن الأندية في الوقت ذاته تنتظر من الوزارة المبادرة في قيادة الشأن الثقافي بالصورة التي تتواكب مع طموحات جميع المهتمين، والحق يقال إن هناك محاولات من قِبل الوزارة لكنها محاولات خجولة لا تستحق الذكر متى ما قورنت بذلك القدر من التعطش لدى المبدعين. * هل يحتمل الإبداع الحقيقي مثل بعض المشاحنات التي تشهدها المؤسسات الثقافية؟ بكل تأكيد المشاحنات التي تشهدها الساحة الثقافية من وقت لآخر بين مؤسساتها ما هي إلا تأكيد على وجود حالة من الركود والفراغ الثقافي الذي تعيشه هذه المؤسسات، ولو أنها انصرفت إلى القيام بواجباتها ومسؤولياتها تجاه ثقافة هذا البلد لكنا في منأى عن مثل هذه التصرفات العقيمة. * ما مدى تفاؤلك بمستقبل النص الشعري؟ مستقبل النص الشعري مرتبط بالشاعر نفسه وبالقيم العميقة في ذاته وبتلك الأجواء اليومية التي يعيشها، متى ما استطاع الشاعر أن يتحرر من قيوده الداخلية ويجد فضاءه الخاص الذي يضمن له تلك المساحة من الحرية التي يتوق لملامستها حتما سيزدهر الشعر وسيحظى المتلقي وقتها بمناخات شعرية متنوعة تدفعه لترميم علاقته الأزلية مع الشعر، الأمر الذي سيسهم بعد ذلك في تحقيق حالة من الازدهار الشعري المأمول.