حين سُئل الشاعر الكبير بدوي الجبل عن رأيه في أدونيس أجاب:"لو أراد لكان شاعراً"، وهذه الإجابة الصريحة والرائعة تصدق على العديد من الشعراء الشعبيين الشباب الذين امتلكوا الموهبة الجيدة ولكنهم لم يُحسنوا استغلالها أو التعامل معها بشكل جيد، فبعض أولئك الشعراء شغلهم عن الإبداع الحقيقي وبلوغ (جوهر الشعر) ميلهم الشديد إلى الاستعراض وادعاء التميز عن الشعراء الآخرين بوسائل شعرية عديدة خذلتهم وساهمت في إضعاف مستوى قصائدهم وخفوت وهجها وحرارة الإبداع فيها. فنظم الشاعر لقصيدة مفرطة الطول وقد تتجاوز أبياتها المئات هو في حقيقته احتذاء لأسلوب شعراء القرون الغابرة ونوع من الاستعراض الشعري العقيم، إذ لا يُمكن أن تجلب قصائد من هذا النوع، وفي عصرنا هذا تحديداً، غير شعور الضجر وكراهية الشعراء وجنس الشعر، وينطبق هذا الأمر على الشعراء الذين ينصب اهتمامهم على نظم القصائد (المهملة) التي تخلو حروفها من النقاط أو العكس، أو نظمها على قوافي صعبة أو بحور شعرية طويلة وغير مطروقة دون كبير اهتمام بفكرة القصيدة أو بعناصرها الفنية، أضف إلى ذلك تلك القصائد المصنوعة التي يحشوها الشاعر بالكثير من الكلمات المغرقة في الغموض أو بمعلومات علمية وثقافية كنوع من الاستعراض للثقافة وسعة المعرفة..! قد يُعذر الشاعر المُبتدئ عندما ينظم مثل تلك القصائد على سبيل المحاولة والتجريب لأساليب شعرية لم يسبق له ممارسة الكتابة عليها أو من باب لفت الأنظار لاستعراض قدراته ومهاراته الشعرية الوليدة، لكن المستغرب هو استمرار بعض الشعراء رغم مرور فترات طويلة من بداية نظمهم للشعر في كتابة مثل تلك القصائد والإسراف في عرض نماذجها على المتلقين وكأنها معجزات أدبية وإنجازات خارقة لا يستطيعها إلا فحول الشعراء، مع أن معظمها لا تعدو أن تكون شكلاً من أشكال العبث والنظم البارد الذي لا يستفز المتلقي ولا يُحرك فيه أي ساكن ..! أخيراً يقول المبدع رشيد الدهام: لك الله يا حبيبي صار لي يمكن ثلاث شهور أسيّل بالشِعر دم القلم وتموت كراسه وأنا ما همّني لو يوم صرت الشاعر المشهور إذا ما اطرب قصيدي من قراه ولامس إحساسه عسى بيت القصيد إن ما بنى فالصدور جسور وحرّك في نفوس الناس حاجه، ينهدم ساسه إذا ما كان من صادق مٌعاناة وعميق شعور عسى ريح الشمال يطير به لا هب نسناسه!