اتسمت معظم أسابيعنا في فندق ريكسوس بطرابلس، الذي تم تخصيصه لإقامة الصحفيين الأجانب الذين يغطون أنباء الصراع ضيوفا على حكومة الزعيم الليبي معمر القذافي، بالملل والإحباط. لكن بمجرد أن أصابت رصاصة أحد القناصة معدات الاتصال الفضائي الخاصة بي، بعد أن نصبتها على سطح المبنى، تغيرت اللعبة. وتدفق مقاتلو المعارضة على المدينة، السبت الماضي، ليفاجئوا مسؤولي الحكومة بسرعة هجومهم بعد أشهر من التقدم والتقهقر على عدة جبهات في أنحاء ليبيا. وتوترت الأجواء في الفندق. وابتداء من يوم الهجوم، وفيما حبس مسلحون من أنصار القذافي المراسلين والمصورين والطواقم التليفزيونية وعددهم 35 فردا في الفندق، بدأنا نستوعب أننا محتجزون وربما نستخدم دروعا بشرية. كان فندق ريكسوس الفخم بأعمدة بهوه وديكوراته الغنية يبدو دائما مثل قفص مذهب وسط أشجار الأوكالبتوس. وحتى قبل هجوم المعارضة كان يحظر على المراسلين الخروج من الفندق دون مرافق. ولسوء حظنا اعتبرتنا الحكومة امتدادا للجهود الغربية لإسقاط «الأخ العقيد». كانوا يصفوننا بأننا جواسيس نقدم إحداثيات للغارات الجوية. لكن حالة الثقة المشوبة بالميل للقتال التي اتسموا بها تبدلت حين قطع مقاتلو المعارضة الصلة الوحيدة بين طرابلس والعالم الخارجي، وهرعوا إلى المدينة المطلة على البحر المتوسط من أجل المواجهة الأخيرة. تحدث المسؤولون في بهو الفندق بسرعة في هواتفهم المحمولة وطلبوا منا معلومات عن خطوط الجبهة الأمامية. وظلوا يتوعدون بالقتال حتى الموت وحذرونا من مذبحة وشيكة أيا كان الطرف الفائز. وبدأ القتال بعد إفطار رمضان واشتد طوال الليل. ارتدينا الدروع الواقية من الرصاص والخوذات، وحملنا أكياسا مملوءة بالحاجات الضرورية من ماء وهواتف تعمل بالأقمار الصناعية والكاميرات إلى غرفة بلا نوافذ في الطابق الثاني من الفندق الذي استمر القتال حوله. ولم نستطع إجراء مكالمات من على هواتفنا النقالة المحلية ولم يكن بإمكاننا الخروج لاستخدام الهواتف الفضائية بسبب القناصة. كان الخوف يراودنا من حين لآخر من أن يكون الفندق مسرحا لمواجهة بين قوات القذافي والمعارضة. ورغم تلقينا تقارير بأن معظم أنحاء طرابلس سقطت، فإن أنصار القذافي المسلحين الأشداء الذين انقطعت صلتهم بالعالم مثلنا تماما، ويحتجزوننا هناك رغم إرادتنا، كانوا مقتنعين بأنه سيتم صد مقاتلي المعارضة وكانوا يشكون في أننا نشوه صورة الوضع لصالح مقاتلي المعارضة. انتظرنا خمسة أيام وانتابنا شعور متزايد بالخوف من أننا قد نصبح ضحايا نوبة غضب لحراسنا أو هجوم مفاجئ من مقاتلي المعارضة أو نيران القناصة الموالين للقذافي. وفجأة انتهت نوبة من الصراخ مع حراسنا المسلحين في بهو الفندق حين دخل فريق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الباب بسرعة لإنقاذنا. لم ننتظر حتى ندفع فاتورة الفندق.