مع ضجيج الحياة وزحام الدنيا، ومع النزوات العابرة والشهوات العارمة تأتي مدرسة رمضان لتعيد للقلوب صفاءها وللنفوس إشراقها وللضمائر نقاءها، يجول رمضان في أرجاء النفس فيغرس بذور الخير والصلاح. إن الصيام من أكبر أسباب التقوى والمغفرة، هاتان الكلمتان اللتان أصبحنا نذكرهما ونتحدث عنهما دون تأمل وتدبر، ولكن النفس إن لم تتهيأ وتستعد له فإنه قد يمضي عليها هذا الشهر كما مضى غيره، ومهما كان حماسها في أوله فإنه قد يفتر ويضعف، وقد تفوت هذه الأيام المعدودات دون أن يشعر، قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» «البقرة: 183». ولقد كان المسلمون قديما يستزيدون من إنارة المساجد عند رؤية هلال شهر رمضان، قال أحمد بن يوسف الكاتب العباسي أمرني الخليفة المأمون، أن أكتب إلى جميع العمال في أخذ الناس بالاستكثار من المصابيح في شهر رمضان، وتعريفهم ما في ذلك من الفضل. قال فما دريت أن أكتب، ولا ما أقول في ذلك، إذ لم يسبقني إليه أحد، فأسلك طريقه. واتفق أن نمت وقت القيلولة، فأتاني آت في منامي، فقال اكتب «فإن في ذلك أنسا للسابلة، وإضاءة للمتهجدين ونقيا لمظان الريب، وتنزيها لبيوت الله، عز وجل، من وحشة الظلم». وإن من العجيب المحزن أن نرى بعضا من المسلمين اليوم في غفلة عن هذا الهدف السامي، وعن هذه الغاية المرجوة من الصيام، فتراهم منشغلين بتكديس الطعام والشراب في بيوتهم وكأنهم قادمون على سنة مجاعة أو قحط! أو ربما ظنوا أن الصيام يعني النوم والكسل، وهذا من الخطأ والخطر الكبير الذي تخالفه أحداث السيرة النبوية ووقائع تاريخنا الإسلامي. ولنعلم أن هذا الشهر موسم للربح، ففيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فهلموا إلى التنافس في هذا الموسم، فقد لا يعلم الإنسان هل يدرك رمضان الذي يليه أم لا. أسأل الله ألا يجعلنا من أهل الندامة، ولا ممن يقول بعد انتهاء زمن المهلة «لو أن لي كرة فأكون من المحسنين» فإنها أمنية باطلة، وإن المنى رأس أموال المفاليس. * عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمستشار الشرعي والإعلامي