لو تم سبر القيم التي تأسست عليها جميع الحضارات في العالم، ونظرنا إلى أهم الأسس المشتركة التي أرسيت كأعمدة لهذه الحضارات، لوجدنا أن الحرية «قيمة مركزية» لدى الأمم الناهضة، ولو استقصينا أسباب تدهور الأمم وتراجعها التاريخي عن أسباب النهضة والتقدم، لوجدنا أن القاسم المشترك، أيضا، هو غياب الحرية «كقيمة ومعطى» لدى هذه الأمم. وإذا كان للحرية هذه المركزية المطلقة في حياة الأمم، سلبا وإيجابا، وجودا وغيابا، فلا شك أن إعادة تقييم نظرتنا لهذه القيمة من أهم أسباب وضع اليد على سبب فقداننا لمعطى مركزي من عوامل نهوض الأمم، وهو الحرية. ويرجع تردي النظرة للحرية كقيمة أساسية لدى الشعوب لأسباب عديدة ومتنوعة عملت على خلق الحجج وشرعنة المبررات «لحجب» هذه القيمة الحضارية، والحيلولة بينها وبين الأفراد، من خلال «تشويه» القيمة ذاتها تارة، وتارة من خلال مبرر وقائي من الغزو الفكري، وتارة أخرى من خلال أيدلوجيات تبتغي من «انتقاص» الحرية الوسيلة للسمو الروحي والنفسي والأخلاقي، وتعد الحرية في أصلها «دنسا». ولو فتشنا عن أسباب هذا الغياب «للحرية» فإننا سنجد الكثير من المبررات والحجج، السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية، دون أن تضعنا هذه المبررات والحجج أو يضعنا واضعوها على الطريق الصحيح الذي «يعوضنا» حضاريا عن هذا «الغائب» الكبير. فها قد سلمنا بجميع هذه الأشياء والحجج والمبررات. يقول بروفيسور أمريكي في مقطع فيديو شهير متحدثا عن أسباب تخلف الحضارة الإسلامية بعد نهضتها، أن من أهم أسباب ازدهار حضارة المسلمين هو ازدهار الحرية العلمية وحركة الترجمة واحتضان مختلف العلوم التجريبية والنظرية والفلسفية، وأن من أسباب تدهورها هو ظهور فئة من المسلمين بدأت «بتجريم وتحريم» الفلسفة والعلوم المستوردة، تحت ذريعة أن الله أغنانا عن تعلمها بالقرآن.